JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Home

أساليب السياسة الفرنسية ضد الشعب الجزائري ما بين 1830 و 1900

 

أساليب السياسة الفرنسية ضد الشعب الجزائري ما بين 1830 و 1900

بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سعت السلطات الاستعمارية إلى أبشع أنواع التنكيل على أرض الشعب الجزائري مند بداية الاحتلال، وعبر سنوات متلاحقة، حيث استخدمت كل الأساليب الجهنمية التي ميزت سياستها في مختلف الجوانب وخلقت وضعا كارثيا في الجزائر، فوجدت هذه الأخيرة نفسها محطمة الهياكل ومدمرة في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية، حيث عاش الشعب الجزائري في وضع صحي مزري، وعانى من الهدم المتواصل  للمساكن، ولقد كانت عواقب هذه الأساليب القمعية سلبية على الفرد الجزائري والمجتمع، بحيث ضرب في شخصيته وإذلاله، وتفكيك بنيته الاجتماعية المترابطة.

أهم القوانين والجرائم التعسفية:

بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سعت سلطات الاستعمار الفرنسي إلى أبشع أنواع التنكيل على الشعب الجزائري، واستخدمت أبشع الأساليب وخلقت وضعا كارثيا في الجزائر، فوجدت هذه الأخيرة نفسها محطمة الهياكل، ومدمرة في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية.

ولقد استطاع الاستعمار الفرنسي ابتداء من عام 1830 أن يقضي على البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري المتماسكة الأواصر، حيث اختفت نهائيا فئتان اجتماعيتان، وهما الأتراك والكراغلة أو ما اصطلح عليه بالطبقة الارستوقراطية وحتى الدينية على أساس أنها هي التي وقفت في وجه الحملة العسكرية الفرنسية عام 1830 م عسكريا.

أما بالنسبة للأهالي الجزائريين خاصة الطبقات الدنيا الجاهلة فقد كان لدخول الفرنسيين مبعث فرحة وبهجة كبيرة بالنسبة لها،كأنها تخدم قضاياهم، حيث لم يكن لها ما تفقده حسب اعتقاداتها، فكانت تعيش بذلك على ما تحمل لها الصدف، وعليه فإن الانهيار كان وراء تفكك المجتمع الجزائري الذي لم يستطع مواكبة المقاومة بسبب تحمل فئة صغيرة مسؤولية هذه المواجهة.

ومنه نستنتج أن وضع الأتراك بصورة خاصة كان أصعب وأكثر تأزما، فقد كان عددهم في الأزمنة الماضية يتراوح حوالي إثنى عشر ألف، وهو عدد لم يكن يكفي لحماية الجزائر.

في المقابل أن أغلب الجزائريين لم يكونوا مسلحين، كما أنهم كانوا متأخرين نوعا ما في شتى مجالات القتال والدفاع، أما حضر الجزائر الأغنياء فكان أمرهم مغاير لذلك تماما، حيث التزموا الصمت بعد أن لاح أمام أعينهم مستقبل مخيف.

لقد تأثرت قضايا الجزائريين الاجتماعية كثيرا بالسياسة الاستعمارية التي كانت قائمة على إبادة المجتمع الجزائري بكل الوسائل مما أدى إلى تناقص عدد الجزائريين بشهادة العديد من الكتاب والباحثين الفرنسيين أنفسهم، على أن عدد السكان الأصليين انخفض إلى نصف ما كان عليه قبل الاحتلال، وأن مدينة الجزائر وحدها فقدت ثلثي سكانها.

ويجاري هذا الرأي المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان الذي لاحظ أن عدد السكان قد انخفض في المرحلة مابين 1830 و 1871 مرحلة المقاومة المسلحة، والانتفاضات الفلاحية وأيضا فترة  انتزاع الأرض بالعنف من ثلاثة ملايين إلى مليونين ومائة ألف نسمة.

ولم يكتف الاحتلال الفرنسي بالجرائم والانتهاكات بل واصل في ذلك حيث صرح الجنرال كلوزيل الذي كان موجود بالبليدة في نوفمبر 1830 بعد أن أعطى الأوامر للتقتيل الجماعي بقوله "إني أمرت جنودي بالتخريب وحرق كل من يعترض طريقهم".

وقد بين الجنرال دي بورمون مند البداية بواسطة بيان علني أن فرنسا قد استولت ليس على مدينة الجزائر فقط ولكن على البلاد كلها، وقد تلى ذلك مباشرة نفي الداي، وإزالة كل المعالم وآثار الحكم العثماني وتهجير السكان الأتراك، وإصدار القوانين والمراسيم باسم ملك فرنسا.

لم تتوقف عملية ضرب البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري وقاضاياه الحساسة عند هذا الحد انما تمادت هذه السياسة التي أشار إليها الأستاذ جمال قنان بما يلي: " ويتغلغل النفوذ الفرنسي نحو المداشر والقرى تعرض سكان الريف لنفس ظاهرة السلب والنهب والتمييز التي عانى منها سكان المدن الساحلية"

كما أن كل الضربات مباحة مع الأهالي من إبادة المدنيين، وقتل المبعوثيين المفوضين، كما ذكر المؤرخ كاميل روسي أن دورفيغو الذي كان يشغل منصب وزير الشرطة في عهد نابليون الأول جاء إلى الجزائر بمؤهلات تبعث الثقة في نفوس الدعاة لاستعمال سياسة الظلم والقوة، كان هو المسؤول عن إبادة قبيلة العوفية

وبذلك فقد تعرض الشعب الجزائري لأخطر عملية هدم وتخريب ومحو على يد الاحتلال الفرنسي، ولقد فتكت هذه الآلة الوحشية بجميع مقومات المجتمع الجزائري من عنصر بشري وموارد مادية ومقومات روحية بالهدم والإبادة دون توقف أو كلل طيلة الأربعين سنة الأولى من تاريخ الاحتلال.

ولم تتوقف عمليات الإبادة التي لحقت بالجزائريين من مذابح جماعية وتقتيل، وتنكيل بالجثث، بل لجأ بيجو وضباطه إلى وسائل أخرى لإبادة الجزائريين، والتي تمثلت في محاصرة الجزائريين داخل المغارات تحت الأرض ومنعهم من الخروج حتى الاختناق.

وعلى اثر هذه الأحداث المأسوية للشعب الجزائري رفعت بعض الشخصيات الوطنية على غرار حمدان بن عثمان خوجة مجموعة قضايا ومطالب تخص الجزائريين للسلطات الفرنسية، وهو ما دفع هذه الأخيرة لإرسال لجنة تحقيق إلى الجزائر لمعاينة الوضع وتقديم تقرير عنه يتضمن اقتراحات واضحة حول مستقبل البلاد لكن هل حمدان خوجة يهدف لخدمة القضية الوطنية أم أن المساس بقضية عائلته وأملاكها جعلته يتحرك ضد السلطات الفرنسية ؟

ولقد استمعت اللجنة الإفريقية الأولى لشخصية جزائرية واحدة وهو المفتي ابن الكبابطي الذي كان حديثه عن الأحوال الشخصية الإسلامية، أما اللجنة الثانية التي كان مقرها باريس فقد استمعت على الأقل إلى ثلاثة من الجزائريين صادف أن كانوا موجودين في باريس عندئد وهم: أحمد بن بوخربة وحمدان بن أمين السكة، وحمدان خوجة.

أما عن مطالب حمدان خوجة فتجسدت في قوله أن السبيل الوحيد لأداء الأمة الفرنسية لأداء مهمتها بأمانة هو أن تضع مبادئ حقيقية  ومتداولة تؤدي إلى معرفة الأحداث المجهولة، واستخلاص النتائج وفقا لما يتطلبه المنطق. والملاحظ أن بوخربة كان أكثر ميلا للفرنسيين، بينما كان أمين السكة  معتدلا.

 أما خوجة فمشاعره المعادية للفرنسيين كانت واضحة  حيث عبر عنها قائلا: " إن طرق العنف لا تؤدي سوى إلى شل أفكار الأهالي ودفعهم للحرب وجعلهم يتشبتون بأفكارهم الشخصية".

عادت اللجنة الإفريقية إلى فرنسا في 9 نوفمبر 1833 وقدمت تقريرها إلى الحكومة الفرنسية مضيفة إليها اقتراحات واضحة حول مستقبل الجزائر ومستقبل فرنسا هناك، وأهم الاقتراحات إن اللجنة رأت ضرورة الاحتفاظ بالجزائر إلى أطلقت اسم " الممتلكات الفرنسية في إفريقية ".

أما قضية تجنيد الجزائريين فمند بداية الاحتلال فتحت الإدارة الاستعمارية باب التطوع في صفوف جيشها أما الجزائريين فأنشأت وحدات خاصة بهم، وتعود فكرة استغلال الجزائريين من طرف الجيش الفرنسي للاعتماد عليهم في التوسعات الداخلية إلى الكونت دي بورمون، حيث تأكد من أن السيطرة على الجزائريين ليست بالأمر السهل، فسعى إلى تدعيم جيش الاحتلال الفرنسي بالعناصر المحلية، وبشكل مكثف حتى يتمكن من غزو مختلف المناطق التي بدى من السهل احتلالها.

وقد حاول الفرنسيون أن يتوسعوا في بسط نفوذهم بمختلف المناطق، وقد واجهتهم صعوبات من جراء رفض أبناء الجزائر التعاون معهم، ولهذا قرر الجيش الفرنسي عام 1833 إنشاء هيئة مكلفة بجمع المعلومات عن الجزائريين تكون همزة وصل بين الفرنسيين والجزائريين، وهو ما تجسد فعلا سنة 1837 حيث أحدث الدوق دورفيغو الحاكم العام للجزائر فرعا في مكتبه سماه بالمكتب العربي.

وقدمت لضباظ المكاتب العربية مهمة مزدوجة تتمثل في توفير المعلومات عن حالة السكان النفسية وضمان إدارة عادية ومنتظمة للقبائل، ولم تكن لهم سلطة من حيث القانون، ولم يكونوا أحرار في سلوكاتهم وكان ينتظر منهم أن يجدوا الحلول لكل مشاكل السكان التي يعرفها مجتمع الأهالي الذي يخضع في آن واحد لضروريات الحرب ومتطلبات السلم.

الاستيطان وقضية مصادرة الأراضي والأوقاف:

إن الوضعية التي آلت إليها الجزائر مع بداية الاحتلال ما بين سنة 1830 و1834 تميزت بالفوضى لحكام فرنسا لضبط برنامج يؤمن لهم البقاء والسيطرة على الحكم والانتشار عبر كافة التراب الوطني.

وإن بداية هذه الظاهرة الخطيرة ذات الطابع الاجتماعي، كانت مع الاحتلال العسكري الفرنسي للجزائر 1830 ولقد استمرت مع بقاء الاحتلال بعد تقنينها فيما بعد لمدة مائة واثنان وثلاثين عاما، وهي مدة عمر الاستعمار الفرنسي في الجزائر

وقد ساعد هروب العثمانين واختفاء السجلات وإتلاف البعض منها في عدم تثبيت الملكية وفقا للأصناف والقوانين اللازمة، مما ساعد حكام فرنسا في التصرف في العقار وفقا لمراجعهم لسياسيتهم التوسعية والإستلاء على الأراضي الخصبة بإصدار قوانين وأوامر لمنح وتوزيع الأراضي على المعمرين.

وما ميز طرق بيع وشراء الأراضي أنها كانت غير شرعية، وذلك أن الفرنسيين كانوا غير متأكدين من مواصلة الاستعمار، ولأن معظم الأوربيون الذين ذهبوا إلى الجزائر مغامرون بدون أموال ثم إن بعض الأوروبيين من المالكين قد اختلقوا النزاع ليتحللوا من العقود التي أمضوها، ويتم انتزاع الملكية العقارية للجزائريين لصالح المستوطنين بواسطة مراسيم وقوانين هي القوانين العقارية الاستعمارية المتبلورة سنة بعد سنة.

قامت السلطات الفرنسية بإزالة معيقات تملك وتقسيم أراضي الرعي والزراعة، وبذلك صادرت من جهة أولا الأرض العامة بدون مالك، والملحقة بأملاك الدولة، أما الأراضي المملوكة من جهة أخرى من قبل العائلات فتم اعتبارها إما أرض عرش، وإما توزيعها على أفراد العائلات الذين استطاعوا إبراز صكوك قانونية تثبت ثروتها.

فأصدرت السلطات الفرنسية مرسوم 1 أكتوبر 1844 الذي أثبت شرعية ما امتلكه المستوطنون خلال الفترة التي أعقبت الاحتلال وصادقت على العقود العقارية السابقة، كما أعلن المرسوم على أن الصفقات العقارية بين الأهالي والمستوطنين ستكون تحت رعاية القانون الفرنسي مستقبلا.

ومنه فهو مرسوم يحمي المكتسبات الأوروبية ويخدم قضاياهم ضد أي محاولات للاحتجاج من طرف الأهالي المسلمين"، حيث أن هذا الإجراء مكن المستوطنين من الاستحواذ على أكثر من 200000 هكتار.  وجاء مرسوم آخر في 31 أكتوبر 1845 قضى بالسماح للعسكريين بحجز الأراضي الزراعية في حالة حدوث أي نشاط عدائي ضد فرنسا، إذ نصت المادة العاشرة منه على مصادرة أملاك الجزائريين الذين اقترفوا أعمالا عدائية ضد الفرنسيين أو ضد القبائل المتحالفة مع فرنسا. 

كما أنه كان يهدف أيضا إلى تسهيل عملية الاستيطان الأوروبي في الجزائر بمنحهم قطعا أرضية مجانا من تلك التي احتجزت من ممتلكات القبائل الثائرة، كما سمح لهم بحق المرور مجانا، والتمتع بالحماية في الطرقات الفرنسية وتزويدهم بأدوات البناء وكميات من الحبوب والبذور مجانا، إلى جانب قروض مؤقتة تسهل عليهم الحصول على حيوانات للجر ومعدات فلاحية، كل هذا يصب في صالح المستوطنين الذين تراكمت لديهم رؤوس الأموال.

وتسهيلا لانتقال الأراضي الزراعية إلى الكولون تم إصدار مرسوم 21 جويلية 1846 الذي تم بموجبه مصادرة أراضي البور والرعي التابعة للعرش والقبائل الرحل.

ولقد أرسى كل من مرسوم 1844 ومرسوم 1846 قواعد الاحتلال العقاري وجسدا فكرة الاستيطان، خاصة أن الإدارة الفرنسية عملت جاهدة لوضع عراقيل تحول دون حيازة الفلاحين الجزائريين على الوثائق اللازمة لإثبات ملكية الأرض.

 وحسب مرسوم 1846 فان الأراضي الشاغرة والتي لا يثبت حيازتها في مدة ثلاثة أشهر تعتبر شاغرة وتصبح تابعة لأملاك الدولة، فقد نزعت 60000 هكتار بالرغم من أنها ملك الفلاحين الجزائريين قانونيا

وتحقيقا لهذه الغاية سوف تصادق الجمعية الوطنية الفرنسية على مرسوم 1848 الذي يقضي هذا المرسوم في مادته الأولى بمنح اعتماد مالي قدره خمسون مليون فرنك لوزارة الحربية لتمكينها من تغطية تكاليف السنوات الأربعة ) 1848-1851 (التي خصصت لإنشاء المستعمرات الفلاحية، وكذلك لخدمة المستوطنين الذين تجاوز عدد المستفيدين منهم 12 ألف مستفيد.

وقد شرع الاحتلال الفرنسي ابتداء من سنة 1850 في طرد القبائل من أراضيهم الخصبة وتقديمها للمستوطنين

ولقد سكن عدد كبير من الجنرالات والكلونالات وغيرهم في الجزائر، فقاموا يتسابقون لإختيار أجمل الحدائق والمساكن الأكثر ملائمة، وقد كانت الجزائر قبل ذلك  تضم أملاكا متنوعة وكثيرة، كان بعضها للدولة، وبعضها للأوقاف، وبعضها للأفراد، ومند الغزو لم ينتظر الفرنسيين نتائج حملتهم لتقرير مصير الأملاك بل أخذوا يتصرفون فيها كما لو كانت لهم وطبقا لقوانينهم.

لعبت التشريعات العقارية الاستعمارية دورا حاسما في خدمة قضايا الفرنسيين والمستوطنين في الجزائر لأنها عممت الملكية الفردية ووضعت قرارات الاستيلاء على الأملاك بكل أنواعها، وقد استمرت في الظهور بين 1830 /1837م وازدادت تضييقا وجورا أيضا في قرارات 1839/ 1848، وكان الهدف تفقير الجزائريين وإجبارهم على الهجرة.

إن سياسة تعمير الجزائر بالأوربيين كانت ترمي بالضبط إلى استعمال جميع الوسائل للجعل من هذا الإلحاق اندماجا شرعيا، وذلك بنزع الأراضي من أيدي الجزائريين وإخضاعهم لقوانين تجعل منهم أقلية يستخدمها الأوربيون.

وحاولت فرنسا وضع إستراتيجية جديدة للحصول على أكبر عدد ممكن من الأراضي، ومنها جاءت مراحل الاستيطان بمرحلتين: الأولى: عرفت بمرحلة الاستيطان الرسمي، وبعد فشل هذا الأخير بسبب ارتفاع نفقات الدولة في بناء القرى الاستيطانية،أخذت السلطات الفرنسية تبيع أراضي الدولة والتي هي أراضي للبايلك والوقف.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور بوديست في كتابه " خواطر عن الجزائر " 1945 " لا يهم فرنسا أن تخرق في سياستها الاستعمارية المقاييس الأخلاقية وقيمتها، ولكن الذي يهمها قبل كل شيء هو تأسيس مستعمرة تملكها بصفة نهائية ...

لم يكن القانون وحده الآلية التي اقتلع أراضي الجزائريين بواسطتها، وهجروا قسرا بل أيضا الإجراءات التعسفية التعصبية، فقد كان الجنرال بيجوا لا يعير أي اعتبار للقوانين عندما يتعلق الأمر بإقامة مستعمرات فقد صرح أمام مجلس النواب سنة 1848م: " بوجوب الاستيلاء على الأرض كواجب من دون تردد وأمر باحتلال المراعي، ومصادرة قطعان المواشي، وإثقال كاهل السكان بالديون حتى تتحول حياتهم كلها إلى جحيم، لأن الأراضي الخصبة والمسقية هي أماكن حيوية من دونها لا يمكن إقامة مراكز الاستيطان

وحدد مرسوم 22 جويلية 1834 الوضعية القانونية للجزائر بالنسبة لفرنسا وحدد الأراضي التي ستطبق عليها النصوص التشريعية ولاسيما تلك المتعلقة بانتزاع الملكية، والتي ستجعل من الاستيطان على حساب القبائل عملا قانونيا

وقد استهدفت جميع القوانين العقارية مند قرار مجلس الأعيان 1863 من خلال وضع مبدأ جواز تقسيم الأرض العامة، وتكوين الملكية الفردية التي يمكن التخلي عنها للمستعمرات لقاء بعض المال، وحررت الملكية الفردية للفلاحين الجزائريين من العلاقات التي نسجتها القبيلة في إطارهم الاجتماعي، وهكذا زادت معاناة الجزائريين.

وما يمكن ملاحظته حول حركة الاستيطان كظاهرة اجتماعية خطيرة أنها لم تتوقف وزادت وتيرتها خاصة في فترة النظام المدني الذي يمكن أن يوصف بأنه كان الأخطر من سابقه.

ففي الاستيطان المدني صدر قرار في سنة 12 أفريل 1841الذي ينص على: " أن كل فرنسي يملك من 1200 إلى 1500 من الفرنكات يمكنه أن يحصل من الدولة على قطعة أرض تتراوح مساحتها بين 4 و12 هكتار ومسكن، وكانت نتيجة هذا القرار أن اشتدت الهجرة الأوربية إلى الجزائر، كما اشتدت عمليات بناء المستوطنات، حيث بلغ عددها سنة 1844 فقط كمستوطنة في متيجة والساحل.

وقد أدت سياسة الاستيطان إلى تدمير البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الجزائري، نتج عن هذه السياسة البؤس والشقاء، ضف إلى ذلك هجرة السكان الأغنياء وتوقف الصناعات والحرف في مدينة الجزائر.

أما بالنسبة للأوقاف ومصيرها بعد الاحتلال فقد اهتم كلوزيل خلال مدة حكمه بها، وذلك ضمن اهتمامه بالتنظيم الإداري للايالة في مجالات شتى: الاقتصادية والعمرانية والتوسعية وغيرها.

وبمقتضى قرار 7 ديسمبر 1830 أصبحت كل الأوقاف ملكا لسلطات الاستعمارية أو تابعة لمصلحة الدومين

فانطلاقا من سبتمبر 1830م ألحق الاستعمار الفرنسي ممتلكات البايلك والأوقاف بالملك العقاري العام، حيث سخرها لصالح الاستعمار الاستيطاني ولصالح المعمرين، وتسببت تلك المصادرات في إتلاف المحاصيل وانخفاض مردودها وتفكيك بنية المجتمع الجزائري.

وبعد قرار سنة 1844م صدرت قرارات أخرى سنة 1846م وصارت من خلالها أملاك الحبس قابلة للمصادرة فالجزائريين كانوا لا يتوقعون استيطان دائم للمهاجرين الأوروبيين فباعوا لهم أراضيهم، وتطبيق هذا القانون جر ورائه عملية إفقار واسعة للفلاح الجزائري من خلال إجباره على زرع مساحة صغيرة تجعله لا يموت من الجوع والتخلي عن أرضه والتوجه نحو حرفة الرعي.

وهو نفسه القرار الذي أعطىالحق للسلطات العسكرية الفرنسية حق مصادرة أملاك المسلمين الذين ينحدرون من أصل تركي، والأراضي الموقوفة للمساجد والأعمال الخيرية، والأمر الصادر عام 1844 الذي أتاح للسلطات الفرنسية في الجزائر حق بيع أراضي الأوقاف.

وبما أن معظم القبائل المشاعة والجماعة عقود الملكية بينهم نادرة، لأن قضية البيع أو الشراء كان تتم عن طريق العرف ومجالس الجماعات، ولهذا تعمدت السلطات الفرنسية إلى إصدار قرار للاستحواذ على العديد من الأراضي،وفي هذا الصياغ عمل بيجو على إنجاح المشاريع الاستيطانية من خلال أراضي لأوقاف الإسلامية وأراضي المخزن، ووضع الحراسة القضائية والإدارية على الأراضي الفارين منها وتقم وتقنين أراضي العرش وإعادة توزيعها بمراسيم خاصة.

النظام الضريبي وآثاره السلبية على المجتمع الجزائري:

لم تتوقف السياسة الاستعمارية عند هذا الحد من الإجراءات التعسفية ضد الشعب الجزائري فحاولت تفقيره وضرب بنيته الاقتصادية عن طريق وضع نظام ضريبي تعسفي.

وقد حافظت السلطات الفرنسية في الجزائر تقريبا على نفس النظام الضريبي الذي كان سائد أثناء العهد العثماني والذي كان في معظمه يعود إلى أصل ديني، وهناك ما هو غير ديني، الأمر الذي عبرت عليه جريدة " المبشر " بصيغة دينية حيث جاء في أولى أعدادها " فرض الغرامات التي هي من أهم الأمور في رياسة العباد وسياسة البلاد فنقول أن الله عز وجل يؤتي الملك من يشاء وهو على كل شيء قدير فيلزم على الناس أجمعين أن يدفعوا على الدولة الزايد من أموالهم والفاضل من حاجاتهم"

وظلت الإدارة الفرنسية متمسكة بالنظام الضريبي، وفي هذا الصدد يذكر كلوزيل، رئيس المكتب السياسي للشؤون العربية في مشروع اقترح سنة 1852 ما يلي: " لقد تمثل دورنا إلى حد اليوم في التمسك الشديد بالضريبة التي وجدناها صارمة أثناء إحتلال البلد، وقد احتفظنا في الشرق القسنطيني بالتنظيم الذي وضعه أحمد باي، ووصلنا في كل من الجزائر ووهران تطبيق السياسة التي انتهجها عبد القادر ".

وبذلك تعتبر الضرائب من أدوات القهر التي استخدمتها إدارة الاحتلال لنهب ممتلكات الناس وتفقيرهم وإدلالهم ففي عام 1870 كان مبلغ ما استخلصته إدارة الاحتلال من الضرائب العربية في الجزائر14 مليون فرنك من بين 22 مليون التي كانت مجمل الضرائب التي استخلصت هذه السنة، فمند غزو البلاد أخضع الجزائريون إلى نوعين من الضرائب: الضرائب التقليدية التي كانت تجني في مختلف مناطق البلاد قبل عام 1830 والتي ألحقت بها عام 1871م عدة ضرائب تكميلية يطلق عليها اسم (التستمات الإضافية ) والضرائب الجديدة التي فرضتها فرنسا يضاف إلى ذلك الضرائب الغير مباشرة التي تفرض على السلع والخدمات.

أما الضرائب المباشرة: فهي ضرائب تفرض على الأشخاص الماديين والمعنويين، وتقطع مباشرة كضريبة المهنة وضريبة المدخل العام، الضرائب على الكلاب، والثيران الحراثة، وحقوق دبح الحيوان، والضرائب على المباني وغيرها.

وبخصوص الضرائب الغير مباشرة فقد كانت تفرض على بعض المواد والنشاطات والخدمات كالرسم على القيمة المضافة، وحقوق الطوابع والسجلات، ورخص مختلفة، وحقوق الصيد وغيرها، أما الكولون فقد تم إعفائهم من ضريبة الدخل وضريبة التريكات التي كانت سارية بفرنسا.

ومع مطلع القرن العشرين أصبح الجزائريون يدفعون ضعف ما كان الكولون يدفعه دون فائدة منها وهذا يعني أنهم كانوا مصدر تمويل الخزينة الأول، حيث تذكر بعض التقديرات أنهم بينما لم يكونوا يمتلكون سوى 38 % من ثروة الجزائر فقد دفعوا نسبة 76 % من مجموع الضرائب المباشرة، وكان الجزائريون يشتكون دائما من الضرائب التي كانت تسحقهم وتأكلهم، وظلوا محرومين من أبسط المرافق والضروريات فيما كان المستوطنين ينتفعون بها لزيادة رفاهيتهم.

يمكنك التعمق أكثر في الموضوع من خلال المراجع والمصادر الآتية:

أبو القاسم سعد الله، محاضرات في تاريخ الجزائر بداية الاحتلال.

حمدان خوجة، المرأة

شارل هنري تشرشل، حياة الأمير عبد القادر.

محمد عساوي، نبيل شريخي،الجرائم الفرنسية في الجزائر أثناء الحكم العسكري 1830-1871م.

جمال قنان، قضايا ودراسات في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر.

محمد العربي الزبيري، مذكرات أحمد باي وحمدان خوجة وبوضربة.

عبد القادر بلجة،مسألة تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنسي 1907 1945.

عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962.

طاهر ملاخسو،العقار الجزائري إبان الاحتلال الفرنسي 1830-1962.

عدي الهواري، الاستعمار الفرنسي في الجزائر، سياسة التفكيك الاقتصادي والاجتماعي 1830/1920.

أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية.

فرحات عباس، ليل الاستعمار.

عمار عمورة، الجزائر بوابة التاريخ ماقبل التاريخ إلى 1962.

العربي الزبيري، تاريخ الجزائر المعاصر.

محفوظ قداش، جزائر الجزائريين 1830-1962.

مساعد أسامة، الأوضاع الاقتصادية العامة للجزائر في ظل الإدارة الفرنسية 1830-1962 ومحاولات البحث عن  النفط قبل الاستقلال. .

يحي بوعزيز، سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية 1830-1954.

رابح لونيسي وأخرون، تاريخ الجزائر المعاصرة 1830-1989.

جريدة المبشر  العدد 22.

شارل روبير أجرون، الجزائريون المسلمون وفرنسا 1871-1919.

بشير بلاح، تاريخ الجزائر المعاصرة 1830.1989.

الغالي غربي وآخرون، العدوان الفرنسي على الجزائر الخلفيات والأبعاد.

NameEmailMessage