JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

التعليم التقليدي قضية أساسية في مجابهة الاستعمار خلال القرن 19م

 

التعليم التقليدي قضية أساسية في مجابهة الاستعمار  خلال القرن 19م


يعتمد المشروع الثقافي الاحتلالي على تطورات أيديولوجية وأحكام مسبقة نسجتها المخيلة الأوروبية على العالم الإسلامي والهوية العربية بل وأيضا شيد مفاهيمه الاستدلالية معتمد على الفتوحات الأنتروبولوجية للمدرسة الاستعمارية، وما جاءت به قريحة منظري التوسع العربي عموما.

فمند الغزو الفرنسي للجزائر أخذوا يطمسون معالمها العربية الإسلامية الشرقية ويحلون المفاهيم الفرنسية بدلها، وقد شمل ذلك كل المدن بدون استثناء، ولكنه بدرجات متفاوتة، ولقد شرعوا في ذلك مند الوهلة الأولى، حيث كانت نية الاحتلال بادية وذلك بعزمهم على البقاء وعدم الخروج من الجزائر، حيث سوق بأنهم كانوا مترددين بين المغادرة والبقاء، ونلاحظ أثار الطمس بادية حيث غيروا أسماء الشوارع، كما هدموا أسواق وبيوت وعملوا بدلها ساحات.

لقد كانت انعكاسات هذه الإجراءات والقوانين الجائرة سلبية على علماء الجزائر ومفتيها مما أحدث هجرة كبيرة كما رأيناها سابقا، علما أن الجزائر فرضت وجودها ضمن حواضر العالم الإسلامي،فقبل الاحتلال الاستعماري كانت مؤسساتها بكل أنواعها في خدمة سكان الجزائر،  لكن الاحتلال عجل بزوال هذه المؤسسات، ومن ثم بداية القضاء على مقومات الشعب الجزائري العربية الإسلامية، وحل محلها مؤسسات أجنبية بعيدة كل البعد عن الدين والعباد، وكانت الجزائر تضم عند غزو الفرنسيين أملاكا متنوعة وكثيرة، كان تضمها الدولة، وبعضها للأوقاف وبعضها للأفراد

فمند الغزو لم ينتظر الفرنسيون نتائج حملتهم لتقرير مصير هذه الأملاك بل أخذوا يتصرفون فيها كما لو كانت ملكا لهم، وطبقا لقوانينهم، وإن قرارات الاستيلاء على الأملاك بكل أنواعها قد استمرت في الظهور بين 1830 /1837، وازدادت تطبيقا وجورا أيضا في القرارات 1839/1842/1848، وكان الهدف تفقير الجزائريين،وإجبارهم على الهجرة وترويضهم سياسيا عن طريق الاقتصاد والحصول على الأملاك وتقديمها للأوربيين (منحة وبيعا) الواردين على الجزائر بقصد الاستيطان والاستعمار

وأمام تدهور الوضع الثقافي جراء سياسة التهجيل المطبقة من طرف السلطات الاستعمارية، عهدت هذه الأخيرة إلى وضع بدائل لسلخ المجتمع الجزائري عن الثقافة العربية، التي كان التعليم العربي فيها أحد أبرز معالمها وتمثلت هذه البدائل في تطبيق سياسة تعليمية قائمة على فرنسة الفرد الجزائري بكل  الوسائل المتاحة

ولقد أدرك عدد كبير من علماء الجزائر، هذا الخطر الداهم الذي كان يفوق عددهم فقط في مدينة الجزائر قبل عام 1830 ثلاثمائة وسبعون، وهو ما ميز مرحلة النظام العسكري الذي حكم الجزائر، حيث كان يهدف للقضاء على معالم الثقافة وتدمير المؤسسات المشرفة بالدرجة الأولى على التعليم العربي، أما المؤسسات التي لم يصلها الهدم، فقد تم تحويلها إلى مرافق عمومية، وهي كثيرة جدا بالإضافة إلى البعض منها كمؤسسات تعليمية، بعد أن تم تعيين موظفين رسميين فيها مكلفين بتلقين التلاميذ، وكذلك الإشراف عليها.

ومند اللحظات الأولى للاحتلال أخد الفرنسيون في هدم المساجد والكتاتيب وبعض الزوايا التي كانت كلها تقوم بنشر التعليم، والتي كان منها يتخرج المفتون والقضاة والمدرسون والفقهاء والعلماء، كما استولى الفرنسيون على الأوقاف الإسلامية، وجعلوها من أملاك الدولة، كذلك أخضعوا كل الشؤون الدينية إلى حكمهم وإدارتهم ووضع علماؤهم وهم المستشرقين أيديهم على مكتبات الزوايا والمساجد والمكتبات الخاصة والغريب أن في ذلك الوقت لوحظ وجود المدارس بكثرة مع وجود حرية في التعليم وكذلك عدد كبير من المعلمين، كما لوحظ أيضا توفر وسائل التعليم وكذلك كانت أجور المعلمين مترفعة بشكل واضح .

وهذا ما زاد من وحشية السياسة الاستعمارية في الجزائر حيث حاولت تدمير كل هذه المحتويات الشخصية والحضارية للأمة الجزائرية، وذلك بالسيطرة على عقول وفكر الأهالي بتجهيلهم، وعن طريق  توجيههم لخدمة أغراض استعمارية، بعد احتلال قسنطينة  كتب الجنرال بيجو تقرير عن التعليم فيها وقدمه إلى وزير الحرب، وقد جاء فيه أن التعليم في قسنطينة كان منتشرا بصورة  غير متوقعة، فقد كانت فيها مدارس من مختلف المستويات الإقليمية، فمدارسها الثانوية والعالية تضم بين 600 و700 تلميذ يدرسون مختلف العلوم، كما يوجد 90 مدرسة ابتدائية، و35 مسجدا، وسبعة ثانويات.

ولذلك لجأت السلطات الاستعمارية إلى المدرسة كوسيلة فعالة لضرب وتحطيم المؤسسات الجزائرية والمقومات الشخصية تترسخ فكرة الفرنسة ونشر الثقافة الفرنسية، فقد اعتبر منظرو الاستعمار والمختصين في الشؤون الأهلية بالجزائر أن قيام مدرسة فرنسية في الجزائر ونجاحها لا يمكن أن يتم إلا على أنقاض المدرسة العربية التقليدية، التي كانت تشكل في نظرهم حاجز يحول دون  قيام هذه المدرسة ، وذلك باعتبار أن التعليم التقليدي في نظرهم هو الذي يضع الفكرة الرافضة للاحتلال، ويعطي الشخصية الوطنية والقومية عمقا واسعا ولهذا سعت الإدارة الاستعمارية لتدمير منظم وممنهج للإرث الثقافي للمجتمع الجزائري بما في ذلك التعليم التقليدي.

ولقد أصدرت السلطات الاستعمارية مجموعة من المراسيم والقرارات تهدف إلى مصادرة الأوقاف المحبسة على المؤسسات الخيرية وأماكن العبادة والتعليم، والتي كان ريعها يستعمل في الإنفاق على المساجد والكتاتيب القرآنية والمدارس، فأسقطت عن الوقف مناعته، وهذا ما مكن النازحين الأوربيين من الاستحواذ على بعض الأوقاف والأراضي الموقوفة وتحويلها إلى ملكيات خاصة، هذا ما عبر عنه أليكس دي طوكفيل الذي ندد سنة 1847 أمام المجلس الوطني بذلك، إذ قال " إن المجتمع الإسلامي في إفريقيا الشمالية ...كان يحوي عدد كبير من المؤسسات الدينية مهمتها البر والإحسان، ونشر التعليم في جميع الوطن، وقد استحوذنا على مداخلها، وحرفنا هدفها، وقضينا على الجمعيات الخيرية وخربنا المدارس فهدت دعائم العرفان وتشتت شمل الزوايا، ومنه  فإن السلطات الاستعمارية عملت على تحطيم الدين الإسلامي بكل ما فيه من أئمة المساجد وقراء القرآن فيها ورجال الإفتاء، وكل هؤلاء كانت تعاملهم بازدراء، هذا ما اضطر المسلمين إلى مقاطعة المساجد الحكومية الفرنسية،وراحوا يؤسسون لأنفسهم مساجد قام الشعب الجزائري بنفقات بنائها الضخمة والتي بلغت تكاليفها حوالي 50 مليون فرنك، وهكذا قاومت الأمة الجزائرية الاستعمار في الميدان الديني إلى أن وقعت الثورة الكبرى سنة 1954.


يمكنك التعمق أكثر في الموضوع من خلال المصادر والمراجع الآتية:

أبو القاسم سعد الله، تاريخ الحركة الوطنية.

بوعزة بوضارسية، سياسة فرنسا البربربية.

بوعزة بوضارسية وآخرون، الجرائم الفرنسية والإبادة الجماعية في الجزائر.

أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي.

عمار هلال،أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصر 1830-1912.

عبد العزيز شهبي،الزوايا الصوفية والغرابة والاحتلال الفرنسي في الجزائر.

 

 

الاسمبريد إلكترونيرسالة