JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Startseite

مظاهر المجتمع الجزائري قبل الاحتلال الفرنسي وقضاياه

 

مظاهر المجتمع الجزائري قبل الاحتلال الفرنسي وقضاياه:







تميزت الحياة الاجتماعية لسكان الجزائر أواخر العهد العثماني بطابع مميز، وبصفة خاصة نمط العيش الذي ميز المجتمع المتنوع بطوائفه وعاداته وتقاليده.

 لقد تواجدت بالجزائر عدة طوائف من حيث التركيبة الاجتماعية، فتنوعت وتعددت لغاتها، حيث كانت التركية لغة الأتراك وبعض الجزائريين والعبيد، والعربية لغة الجزائريين، أما اللغة الأمازيغية فتداولت بين الأمازيغ، وبالنسبة للافرنجية والتي هي مزيج بين الفرنسية والاسبانية والايطالية كانت متدوالة عند بعض الفئات الاجتماعية.

وقد تجسدت المظاهر الاجتماعية في الحفلات الدينية وكذا حفلات الأعراس، بالاضافة إلى مختلف المرافق الاجتماعية كالأسواق والمقاهي والحمامات، ويمكن تقسيم مراحل الحكم العثماني في الجزائر إلى أربع عهود بداية من عهد البكربكوات أو البالارباي  (1519- 1587) يعتبر عهد رجال البحر مؤسسي الحكم التركي في الجزائر، ومند استقرار الاخوة عروج بمدينة الجزائر سنة 1516م بدأت تتشكل ملامح كيان سياسي تعزز هذا سنة 1519  ، فرسميا منذ أواخر سنة 1519 كانت الجزائر جزء من الإمبراطورية العثمانية، فقد كانت العملة تضرب باسم السلطان العثماني، وخطبة الجمعة يذكر فيها السلطان ويتم الدعاء له بالنصر.

أما العهد الثاني فهو عهد الباشوات (1587-1659) تولى هذا المنصب ثلاثون واليا على كل منهم باشا.

العهد الثالث عهد الأغوات (1659-1671) أسوء العهود التركية في الجزائر أنشئت خلاله جمورية عسكرية برئاسة آغا ينتخب مبدئيا لشهرين.

عهد الدايات (1671-1830) كل الدايات غرباء عن الجزائر اختارتهم القسطنطنية لمدى الحياة ومنحتهم سلطات مطلقة في جميع الميادين.

لقد أثار الأتراك الشعب الجزائري ضدهم بسبب ما ألحقوه به لعصور مضت من دل وهوان واضطهاد، ومن ثم بدأ الجزائريون يبحثون عن تحقيق بعض المطالب والاعتراف بحقوقهم كاملة، فأجبرو الداي على أن يعترف لهم كل يوم بنصيب أكثر من هذه الحقوق، حتى أنه لم يكن من النادر أن ينتقموا من الأتراك ويلحقوا بهم الهوان والمدلة، كما فعلوا هم أي الأتراك طيلة العهود الأربعة لحكمهم والتي ميزها الظلم والاستبداد غالبا.

       ومن الواضح أن غالبية سكان الجزائر في هذه الفترة من الحكم العثماني كانت تسكن في الأرياف.


الطبقات والفئات الاجتماعية في الجزائر العثمانية:


البنية السكانية :  

 ذكر ابن خلدون في هذا الجانب أن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لابد من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم، وهو معنى العمران.

ويذكر أيضا أبي راس الناصري في كتابه المحقق "عجائب الأسفار ولطائف الأخبار " أن دراسة المجتمع مرتبطة بحالة السكان وعاداتهم وتقاليدهم، يتناول أساس الطوائف والأقليات التي كان يتألف منها سكان المدن وعلاقتها بالدولة.

ويعكس التركيب الاجتماعي للجزائر التنوع العرقي من حيث أصول المجتمع الجزائري، وبوجود الأتراك زادها لحمة مهمة الامتزاج الثقافي الموجود فيها من قبل، وقد تكونت عدة فئات اجتماعية نتطرق إليها بالترتيب :


الفئة الحاكمة :

تتشكل غالبية الأتراك العثمانيين في غالبيته من فرق الجند والإنكشارية الذين كانوا يقيمون في حصون وثكنات المدينة وكانت هذه الفئة قليلة العدد، ثم الكراغلة والمهاجرون من الأندلسيين والعبيد واليهود، وما ميز هذه الفئة الحاكمة أنهم ينظرون إلى السكان نظرة استعلاء واحتقار وتميزت العلاقة بينهما بالعداء المتبادل والنفور، وهذا ما أكده هايدو في قوله " لا يوجد في الاسطوغرافية العثمانية علاقة أسوء من علاقة الترك بالعرب في مملكة الجزائر".

 ويؤلف سكان المدن أقلية ضئيلة لا تتعدى حسب المعلومات 5 %  من مجموع السكان، ففي الناحية الغربية تبلغ 7 %  أو 8 %  وفي الناحية الوسطى تنخفض إلى 6 %  بينما في الناحية الشرقية لا تتجاوز 3 %   من مجموع السكان.

 ولم تكن الحياة الاقتصادية للريف الجزائري في العهد العثماني مثالية، فقد كان السكان يعانون من المجاعات والأمراض وقلة المساعدات، هذا بالإضافة للكوارث التي حلت بالشعب، فيحكى أن في سنة 1219هـ - 1804 م زمن الأتراك وقعت مجاعة شديدة وقحط وهوان أضر بأهل قسنطينة ودام الحال كذلك عليهم مدة ثلاثين سنة متوالية ....

وكان الجفاف كثيرا ما يتسبب في نكبات لا تحصى وكثيرا ما كانت النكبات الطبعية تنزل بسكان الريف فلا يستطعون  لها ردا ولا مواجهة، كما لا تستطيع السدود القليلة الضيقة التي أقامها الريفيون أن تخفف من هول النكبات التي تحل بهم والتي سببتها الجائحة، وإنها قد أصابت الزرع بأكمله وعدم حصاده في جهات كثيرة سيما ناحية الجنوب وأعرابها كالحراكتة والنمامشة، وولاد يحي بن طالب والخرارب وغيرهم، ولم تنجوا من ذلك إلا ناحية إلى السواحل والصحراوية فإن زرعها لم يقع فيه ضرر كبير.

ليس هناك اتفاق بين المؤرخين عن عدد سكان الجزائر قبل الاحتلال، فالقنصل الأمريكي وليم سبنسر قدر سكان مدينة الجزائر بخمسين ألف نسمة، بينما قدرها كاتب آخر بمائة ألف ومن بينهم خمسة ألاف يهودي، وقدر ياكونو Yaccone  عدد سكان الجزائر عشية الغزو الاستعمار الفرنسي ثلاث ملايين نسمة، ويجاريه في هذا التقدير المؤرخ شارل أندري  جوليان

وزعم بيلسي دي رينو الذي كان يكتب خلال السنوات الأولى للإحتلال أن سكان الجزائر كانوا حوالي 250 ألف نسمة، أما اللجنة الافريقية الفرنسية التي زارت الجزائر بعد ثلاث سنين من الاحتلال فقد قدرت عدد السكان قبل مجيء الفرنسيين بنحو 35 إلى 40 ألف نسمة في مدينة الجزائر وحدها.

أما حمدان خوجة فيقسم سكان الجزائر إلى فئات متعددة حيث يذكر " أن جزء كبير من سكان مدينة الجزائر مكون من العرب والترك، والأطفال الذين يولدون نتيجة زواج بين هذين الصنفين يسمون الكراغلة، ويسكن المدينة أيضا أعراب وقبائل لهم نفس عادات ونفس حضارة العرب والأتراك، وإن من مر الزمن قد أتى على الأصول الأولى وأصبح جميع الذين يسكنون  مدينة الجزائر اليوم يسمون جزائريين". ومارس سكان الجزائر عادات مختلفة وكثيرة منها حفلات الختان والخطبة والزواج واستقبال وتوديع الحجاج، إضافة إلى المناسبات الدينية كشهر رمضان الذي كانت تقام فيه عادات خاصة ميزته عن باقي الشهور الأخرى، كختم القرآن الكريم في المساجد وإضاءة الشموع ومجمل الشعائر الدينية التي تقام في أنحاء الجزائر.


الحياة العامة للمجتمع الجزائري أواخر العهد العثماني :


 شهد القرن التاسع عشر موجة من فترات المجاعة والقحط، وتتضمن المصادر المحلية الكثير من الاشارات حول المضار التي سببتها هذه الظواهر، فما ترتب عنها فقدان الموارد الغذائية في الأسواق وارتفاع أسعارها حتى أصبح  القمح يباع بأثمان مرتفعة

زيادة عن المجاعة يذكر أحمد الشريف الزهار أن الجزائر تعرضت للجراد، بحيث يقول وجاء الجراد في هذه السنة ثم غرس وأقام أياما في الأرض ثم خرج وأكل الزرع والأشجار والثمار ووقع في تلك السنة، وأعطى الأمير القمح لجميع الخبازين أن يقوموا بعمل ما يلزم للبلاد لكن صار الناس يتقاتلون على ذلك الخبز.

نتج عن المجاعات ظهور أمراض كثيرة زادت حدتها بسبب جهل أغلبية الأهالي بأبسط قواعد الصحة، فلم يهتموا بمحاربة الأوساخ، ولم يعملوا على استصلاح المستنقعات المنتشرة في سهول متيجة ووهران وعنابة.

يجب الملاحظة أن الجزائر تعرضت لمجاعات مهلكة سنوات متلاحقة ففي سنة 1800 حدثت مجاعة بالبلاد اختفت فيها الاقوات من الأسواق حتى اضطر الداي مصطفى باشا بالالتجاء فيها إلى شراء القمح من موانئ البحر الأسود وتوزيعه على السكان، وأعطيت الأوامر بعدم تصدير هذه المادة وشهدت الجزائر قبل ذلك حدوث الكوارث الطبيعية التي أدت إلى تضرر الاقتصاد وتناقص عدد السكان، منها زلزال 1716 الذي خرب مدينة الجزائر، وهكذا تميزت المرحلة الأخيرة من العهد العثماني بالجزائر بفترات عصيبة وقاسية، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية.

 ويعود هذا التدهور في الجانب الاقتصادي والاجتماعي أيضا لعدم اهتمام الأتراك بأمور الصحة كما أن هذا الإهمال أدى إلى انتقال العدوى من المشرق وانتشار الأمراض بالجزائر منها الطاعون والكوليرا، وهذا ما أدى إلى احتدام التناقض وتعمق الخلاف بين السلطة السياسية التركية والجزائريين وقد اضطرها إلى إعلان الطلاق بينهما في القرن التاسع عشر، وترجع أسباب الطلاق إلى الضغط الاجتماعي وخاصة إلى تعفن الوضع الاقتصادي.


الأوضاع الصحية :

كما ذكرنا سابقا يرجع التدهور في الجانب الاجتماعي للمجتمع الجزائري لعدم اهتمام الحكام الأتراك بأمور الصحة حيث انحصر العلاج في بعض المرافق كمصلحة رنقة الهواء، وملجأ الأمراض العقلية الخاصة بالأتراك، كما أن هذا الاهمال أدى إلى انتقال العدوى وانتشار الأمراض، كما أن قلة الأدوية زادت الحالة الصحية سوءا، فالجزائر كانت تكاد تخلوا من الصيدليات ما عدى صيدلية واحدة كان مقرها مدينة الجزائر بالقرب من قصر الداي، ولكنها لا تحتوي إلا على بعض الزجاجات والكؤوس المحتوية على بعض العقاقير والتوابل يشرف عليها أحد الأتراك.

وبما أن العلوم لم تكن قد بلغت درجة فائقة من التطور، بحيث تحدد جراثيم الأوبئة تحديدا مضبوطا، فإن السكان والأطباء كانوا ينسبون كل هذه الظواهر المزيفة إلى مرض الطاعون  الذي كثيرا ما وقفت السلطات المحلية عاجزة أمامه لا تقوى على اتخاد أية تدابير وقائية لما كان من اختلاف بين رجال الدين فيما يتعلق بمعاملة المصابين ومعالجتهم.

وقد ازدادت الأمراض الفتاكة القاتلة بالسكان طيلة الحكم العثماني للبلاد، وتركت أثرا  سلبيا في الحياة الاقتصادية حيث كانت لها انعكاسات خطيرة على الأوضاع المالية والمعيشية للسكان .

ولقد اختلفت الآراء وتضاربت حول عدد الأطباء الجزائريين ولغاتهم في تلك الفترة، فلوفي دوستاسي ينفي وجود أطباء بالمنطقة حيث قال في منتصف القرن الثامن عشر " لا نرى طبيب واحد في مدينة الجزائر ولا في باقي المملكة" هذا ما أكده موقان بقوله " أن بلاد الجزائر ليس بها طبيب بالمرة"، وتذكر الكتابات الفرنسية التي أرخت للحملة الفرنسية على الجزائر أن الجيش الجزائري لم يكن يتوفر على طبيب بالمعايير العلمية، إلا من واحد ذو أصل ألماني هو السيد " سيمون بفايفر " الذي كان أسيرا بالجزائر مند 1925م، هذا ما يعكس مستوى الرعاية الصحية في الجزائر خلال العهد العثماني.

كان موقف السلطات العثمانية سلبيا من الأوضاع المزرية والمتردية التي أصابت الجزائر، حيث أهملت الاجراءات الوقائية ضد دخول وباء الطاعون إلى البلاد. إذ لم تمنع دخول السفن والأشخاص القادمين من المناطق الموبؤة، ولم تطبق عليهم نظام الحجز الصحي المعروفة بالكارنتينة مع أن هذا النظام كان مطبقا في كل من طرابلس وتونس والمغرب الأقصى وأوروبا مند مائتي سنة.

والملاحظ هنا أنا معظم السنوات التي تعاني فيها القسطنطنية ومصر بوباء الطاعون إلا وظهر في الجزائر نتيجة الملاحة البحرية أي حركة السفن، والدليل على ذلك الوباء الذي ظهر في الجزائر بسبب الملاحة البحرية سنة 1817، والذي جاء مع المراكب التي أهداها داي الجزائر للباب العالي، وكان العثمانيون لا يهتمون بالحياة الصحية للسكان، ذالك أن معظم البايات والباشوات كان لهم أطباء أجانب يختارونهم عادة من الأسرى الأوربيين الذين يقعون في قبضتهم أو يستجلبونهم بالأموال، ولكنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك للتخفيف على السكان من الألام والأمراض، وهنا يتضح لنا وبشكل جلي فارق الهوة بين الجزائريين والعثمانيين.


النظام القضائي بين خدمة قضايا المجتمع الجزائري وسلطة الحاكم :


كان النظام القضائي في الجزائر خلال الحكم العثماني متصلا بالحاكم، إذ يعد مصدر السلطة السياسية والقضائية، ويمكن تفويض السلطات إلى البايات والقضاة، لكن إذا كانت الأحكام التي يصدرها القضاة لا تحظى بموافقة من قبل الحاكم بإمكانه أن يسحب التفويض  من القاضي أو الباي. ويعتبر القضاء الاسلامي من أهم وأبرز مقومات الشعب الجزائري، ويقول عنه الأستاذ جمال قنان ما يلي:" القضاء الاسلامي عنصر بارز في النظال الوطني لكونه يوفر العدل والضمان للمواطنين الجزائريين وأحد مقومات هذه الشخصية  المتميزة ....". وبما أن الحاكم العثماني كان من المعتنقين للمذهب الحنفي، وسكان الجزائر يتبعون المذهب المالكي  فقد جرت العادة على تعيين المفتي الحنفي من قبل السلطان العثماني، ويقوم حاكم الجزائر بتعيين المفتي المالكي، ولقد كان القضاء قبل مرحلة الاحتلال الفرنسي يعالج القضايا الاجتماعية والدينية المرتبطة ارتباطا مباشرا اتجاه المجتمع الجزائري في كل مجالاتها حتى أن القضاة المشرفين عليها قبل الاحتلال كانوا على قدر كبير من العلم والمعرفة والنزاهة والاحترام والاستقامة، حتى أنهم أصبحوا بالنسبة للفرد الجزائري أكبر منزلة من غيره. غير أن بعض الأشخاص لا يقبلون بحكم المفتي ويخظعون لمراجعة المجلس الكبير الذي يضم علماء المذهبين  والمنسوبين إليهما، وهم يجتمعون كل يوم خميس في الجامع الكبير لتدقيق كل الأحكام الصادرة قبيل تلاوتها، ومنه نخلص إلى أن الجزائر كانت تتمتع بنظام قضائي خاص يستند لشريعة الإسلامية، ولكن سرعان ما سيتغير هذا النظام بتغير الاوضاع الثقافية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية .


المؤسسات الخيرية في خدمة التكافل الاجتماعي للجزائريين:


تتجلى قيم التضامن عند الجزائريين خلال الفترة العثمانية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث انتشرت هذه القيم بقوة داخل أفراد المجتمع، فالتضامن الاجتماعي هو قيمة حضارية، ومن بين قيم التضامن التي تتضح بين الحاكم والمحكوم في العهد العثماني ما حدث أيام باي وهران أحمد بن عثمان حيث وقعت مجاعة على عهده بسبب القحط، فقام الباي لمواجهة هذه اﻵفة بشراء كل الحبوب المتوفرة وعرضها في السوق، وفتح أبواب قصره للمحتاجين.

كذلك في بايلك قسنطينة، عندما حصلت مجاعة بداية القرن التاسع عشر نتيجة القحط والحروب زود عبد الله باي أسواق البايلك بالكميات اللازمة من الحبوب لسد احتياجات السكان.

ترتبط المؤسسات الخيرية في الجزائر خلال العهد العثماني بالوقف والأوقاف ومؤسساته، وقد تطورت إدارة الأوقاف في العهد العثماني كنتيجة سياسية واقتصادية، وتقوم فكرة الأوقاف على مبدأ شرعي وعلى أسس قضائية ملزمة ترتكز عليها إدارة الأوقاف والمستفيدين منه. ويشكل الوقف معظم ممتلكات المؤسسات ذات الرسالة الثقافية والدينية والاجتماعية (مدارس قرآنية، جوامع، مؤسسات خيرية ). ويتصف الحبس باللزوم والديمومة بحيث لا يمكن التراجع فيه أو إلغاؤه أو تحويله إلى منفعة أخرى غير التي حبس من أجلها، فلا يجير للأحكام الشرعية بيعه أو تحويله أو رهنه، ولكن  تلك الأسس لم تكن محل احترام دائم، فقد يسئ الوكيل التصرف في الوقف، وقد تتدخل الدولة فتحول فوائد الوقف إليها، لذلك كان إهمال الأوقاف أو سوء إدارتها محمل شكوى من المسلمين ولاسيما علماء الدين.

المعروف أن الوقف أو الحبس نظام إسلامي معروف وله أهمية اجتماعية واقتصادية  وعلمية كبيرة في المجتمع، واستحدثه المسلمون لتوفير المال والسكن وغيرها من المساعدات للعمال والطلبة والفقراء والغرباء والأسرى واللاجئين وصيانة المنشآت التي أنشأت لهذا الغرض، كل المساجد والطرق والماء والأضرحة والزوايا، وهذا النظام يرمز إلى التضامن الاجتماعي بين المسلمين لنشر التعليم والمحافظة على الدين. فالوقف كما جاء في دراسة لناصر الدين سعيدوني " هو عقد لعمل خيري دي طبعة دينية ".


الأوقاف :

يعتبر الوقف من أسمى القيم الحضارية عند المسلمين، فهو يمثل إدارة الخير في الإنسان المسلم، وعن حسه التضامني العميق، وقد تطور الوقف خاصة في العهد العثماني، نتيجة لاعتبارات سياسية واقتصادية، وكانت الجزائر من بين هذه المناطق الإسلامية التي شملها هذا التطور، وللوقف صيغة شرعية يستند عليها، ويلزم باحترامها صاحب الوقف وأهله والمستفيدين منه.

الوقف أو الوقوف لغة هو خلاف الجلوس، وقف بالمكان بفتح القاف أو قف سكون القاف ووقوف، فهو واقف والجمع وقف بضم الواو وسكون القاف، ويقال وقفت الدابة تقف وقوفا، ووقفتها أنا وقفا، ووقف الدابة جعلها تقف.

هناك تباين في النظرة إلى الوقف بين كل من الحنفية والمالكية فالمذهب المالكي الذي يتمسك به غالبية الجزائريين كان يرى ضرورة طرف الحبس من أجلها مباشرة دون قيد أو تردد بينما المذهب الحنفي الذي كانت تنسب إليه الطائفة التركية وجماعة الكراغلة وبعض الحضر  بالمدن الكبرى في الجزائر كان يجوز انتفاع الموقوف وعقبه بما حبسه من وقف.

ويقسم الوقف إلى نوعين: الوقف العام الذي تعود فوائده على المصلحة العامة التي حبس من أجلها، والوقف الخاص الذي لا يتحول صرف منفعته على المصلحة العامة التي حبس من أجلها، إلا بعد انقراض العقب أو انقطاع نسل صاحب الحبس. ويعرف هذا الأخير باسم الوقف الذري أو الوقف العائلي.

وقد اكتسبت المؤسسة مكانة مرموقة نظرا لدورها البارز في المجتمع، إذ كانت تتكفل بسد حاجيات المستغيثين، كالتعليم حيث سخرت لذلك فقهاء ومعلمين، كما كانت تغطى نفقات القائمين على المساجد والمدارس والأضرحة و الزوايا.

كما أنها كانت أداة فعالة في تماسك الأسرة والحفاظ على الحقوق، وعاملا مساعدا على الحد من المظالم والأحكام التعسفية الصادرة عن قرارات العزل التي كانت تهدف إلى الاستحواذ على الأملاك وإلغاء ملكية أصحابها، كما هدفت أيضا هذه المؤسسة إلى تحسين أوضاع الفقراء والتخفيف من سوء أوضاعهم، وكانت لها طرق مختلفة في التصرف لرفع الموارد الخاصة، فمثلا كل من يهب ملكية إلى مؤسسة لا يستطيع أن يرجع هبته ويعتبر عقد الهبة أحسن وثيقة.

وقد عرفت هذه المؤسسة انتشارا واسعا خلال القرن 18م، وذلك بفعل الوازع الديني والاجتماعي والاقتصادي، وكانت مؤسسة الأوقاف تتولى دفن الفقراء المسلمين، وتوزيع الصدقات على حوالي مائتي فقير كل يوم خميس، وكان اليهود يستغلون الأوقاف عن طريق الكراء ونحوه.

  فالوقف هدفه إشراك القطاع الخيري. الذي يرمز إلى التكافل الاجتماعي والتضامن بين المسلمين عامة. ولأن النظام الاجتماعي في الجزائر له خلفيات دينية فإنه استطاع أن يحقق ما لم تستطع المؤسسات السياسية أن تحققه، فالنظام الاجتماعي الجزائري ذو مظهر ديني، فالحاكم هو الخليفة الإمام ذو السلطة المطلقة. فالدين بالنسبة للمجتمع الجزائري يشكل أهم ركائز النظام الاجتماعي وهو من أقوى النظم الاجتماعية- الثقافية، التي تبنى عليها شخصية الفرد والجماعة، فتؤثر في السلوك وفي نمط الحياة الروحية والاجتماعية، ولقد تميزت الأوقاف في الجزائر خلال العهد العثماني بعدة ميزات يمكن إيجازها فيما يلي:

-          أن ظاهرة الوقف في المجتمع الجزائري كانت موجودة قبل مجيء العثمانيين إلى الجزائر وبالتالي فهي ظاهرة اجتماعية مرتبطة بعلاقة الجزائريين بدين الإسلام، ومن بين الأدلة على ذلك تلك الوثيقة التي سجل عليها وقفية مدرسة ومسجد "سيدي أبي مدين" بتلمسان والتي يرجع تاريخها إلى عام 1500م.

-         تكاثر الأوقاف وانتشارها في مختلف أنحاء الجزائر، وتنوع الأوقاف وخدمتها لمختلف مناحي الحياة....

-         تميّزت الإدارة الوقفية في العهد العثماني بكونها محلية لها جهاز إداري مستقل محدد الصلاحيات بإشراف مميز وكفاءة القائمين عليه.

وتجدر الإشارة إلى أن الأوقاف في العهد العثماني كانت لها عدة أدوار تجسدت في المجالات التي كان ينفق فيها ريعها، ولقد ظهرت مؤسسات خيرية عديدة كانت لها أوقاف متنوعة ساهمت بشكل كبير في ترقية أداء الأوقاف في أواخر العهد العثماني، من هذه المؤسسات نذكر:

أوقاف الحرمين الشريفين: تعد أقدم المؤسسات الوقفية فهي تعود إلى ما قبل العهد العثماني، كانت تقدم الإعانات لأهالي الحرمين الشريفين المقيمين بالجزائر أو المارّين بها. وقد ذكر  قنصل فرنسا فاليارد Valiard  أن كل بيوت الجزائر وما يحيط بها من أراضي تعود لأحباس الحرمين.

-         أوقاف مؤسسة سبل الخيرات: أسسها "شعبان خوجة" سنة 1584م، وكانت تشرف على ثمانية مساجد حنفية، كما كانت تشرف على عدة مشاريع خيرية عامة، أما أملاكها فقد كانت تقدر بثلاثة أرباع الأوقاف العامة.

-         أوقاف المسجد الأعظم: تحتل الدرجة الثانية بعد أوقاف الحرمين ولعل هذا يعود أساسا إلى الدور الذي كان يلعبه الجامع الأعظم في الحياة الثقافية الاجتماعية والدينية إلى درجة أنه غطى أنشطة كل الجوامع الأخرى التي بناها الحكام العثمانيون أنفسهم.

-   أوقاف مؤسسة بيت المال: تولت هذه المؤسسة إعانة أبناء السبيل واليتامى والفقراء والأسرى وكانت تتصرف في الغنائم التي تعود للدولة، كما اهتمت بشؤون الخراج وحرصت على شراء العتاد بالإضافة إلى أنها اضطلعت بعدة مهام خيرية.

مع العلم أن هذه المؤسسة كانت تتمتع بالاستقلالية عن الإدارة العامة (البايلك).

-   أوقاف أهل الأندلس: أسس الوافدون من عرب الأندلس مسجدا جامعا لهم وخصصوا له أوقافا عديدة، ذلك أنهم يملكوا أراض كبيرة بفحص الجزائر،حيث خصصت للإنفاق على شؤون العبادة به ومساعدة الفقراء من الأندلسيين العرب الوافدين.

-   أوقاف الأشراف: كانت لها أوقاف عديدة تنفق ريعها على زاوية خاصة بهم شيدها "الداي محمد بقطاش" سنة 1709م وكان لها وكيل خاص بها يشرف عليها يعرف باسم "نقيب الأشراف".

-   أوقاف المرابطين والمعوزين من الجند: أوقافهم تواجدت بمدينة الجزائر وفحصها، وكان يصرف مدخولها على إعانة بعض المحتاجين من سكان الجزائر والباقي يصرف على العاملين بزاوية "سيدي عد الرحمن الثعالبي".

-   أوقاف المرافق العامة والثكنات:  أوقفت عدة أملاك داخل مدينة الجزائر وخارجها للإنفاق على المرافق العامة كالطرق والعيون والحنايا والسواقي والأقنية.

ومنه نستنتج أن الوقف كان له دور كبير عند الجزائريين، التي أجمعت المصادر أن 95 % منهم كانوا يمارسون نشاطا فلاحيا رعويا، مما جعل نوعية الأرض وامتلاكها وطريقة استغلالها أساس الحياة الاقتصادية بالنسبة للفلاح الجزائري.

ويمكن تقسيم الوقف إلى قسمين :

الأوقاف العامة: أوقاف بيت مال المسلمين، أوقاف الطرقات، أوقاف العيون (المياه)، أوقاف الأندلس، أوقاف الأشراف، أوقاف مكة والمدينة، أوقاف سبيل الخيرات. 

 الأوقاف الخاصة: أوقاف الشيخ الثعاليبي، أوقاف الجامع الكبير، أوقاف مختلف المساجد والزوايا والقباب والجبايات أوقاف الفينيقي.

ومن خلال ما سبق يتضح أهمية مؤسسة الوقف في الجزائر العثمانية من خلال خدمة الدين والتعليم، كما كانت عنوانا على التضامن الاجتماعي، حيث لعبت دورا معتبرا وخاصة في مجال التعليم، ونشر الثقافة، وتصرف منفعتها على الفقراء وخدمة الدين والعلم.

يعتبر الوقف من أهم مفاهيم الحضارة الإسلامية، فهو أساسا يعبر عن إرادة الخير في الإنسان المسلم وعن احساسه العميق بالتضامن مع المجتمع الإسلامي، وله أهمية اجتماعية وإقتصادية وعلمية كبيرة في المجتمع، واستحدثه المسلمون لتوفير المال، والسكن وغيرهما من المساعدات للعلماء والطلبة والفقراء والغربا ، والأسرى واللاجئين وصيانة المؤسسات التي أنشئت لهذه الأغراض. كالماء والطرق والمساجد والزوايا والقباب ...الخ. وقد تطور خاصة في العهد العثماني نتيجة اعتبارات سياسية واقتصادية، وكانت الجزائر من بين المناطق الإسلامية التي شملها هذا التطور.

وتكمن أهمية الأوقاف في مدينة الجزائر في تأثيرها المباشر على مختلف أوجه الحياة، وقد أمكن مردودها من الإبقاء على القائميين بشؤون العبادة والتعليم من أئمة ومدرسين وطلبة. كما أصبح من الميسور سد حاجات الفقراء والمعوزين من عوائدها، هذا مع العلم بأن الأنظمة الخاصة بالأوقاف والأحكام المتعلقة بها ساعدت كثيرا على الحد من مظالم الحكام وتعسفهم  وعملت في نفس الوقت على تماسك الأسرة الجزائرية، وذلك يظهر من خلال :

تضامن المجتمع وترابطه وتوزيع ثرواته على فقراءه والعجزة منه، كما ظهر تضامن فئات معينة كالأشراف وأهل الأندلس، وكان الوقف بالإضافة إلى ذلك يلعب دورا في التأثير الديني والسياسي خارج الحدود كإرسال النقود سنويا إلى فقراء مكة والمدينة مع ركب الحج.

 يمكنك التعمق أكثر في هذا الموضوع من خلال المراجع والمصادر الآتية:

نصر الدين سعيدوني والشيخ البوعبدلي المهدي، الجزائر في العهد العثماني.

عبد الحميد بن شنهو، حول الأتراك العثمانين في الجزائر.

أديب حرب، التاريخ العسكري والاداري للأمير عبد القادر الجزائري (1808/1847 ).

محمد بن سعيدان، التطورات السياسية والاقتصادية لإيالة الجزائر خلال القرن 11ه / 17م.

لمنور مروش، تكوين الجزائر العثمانية، الحدث في تاريخ الجزائر المعاصر.

سيمون بفايفر، مذكرات جزائري عشية الاحتلال.

حنيفي هلايلي، أوراق في تاريخ الجزائر في العهد  العثماني.

ابن خلدون، ديوان المبتدء والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن صاحبهم من دوي الشأن  الأكبر.

أبي راس الناصري الجزائري، عجائب الأسفار ولطائف الأخبار.

مؤيد محمد حمد المشهداني وسلوان رشيد رمضان، أوضاع الجزائر خلال الحكم العثماني (1518- 1800).

نصر الدين سعيدوني، النظام المالي للجزائر أواخر العهد العثماني.

أبو القاسم سعد الله، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث بداية الاحتلال، الجزائر.

جمال قنان، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث، 1500- 1830.

أبو القاسم سعد الله، محاضرات في تاريخ الجزائر.

حمدان بن عثمان خوجة، المرآة.

أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي (1830-1550).

نصر الدين سعيدوني، وراقات جزائرية دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر العهد العثماني.

صالح عباد، الجزائر خلال الحكم التركي.

حمدان خوجة، اتحاف المنصفين والأدباء في الاحتراس عن  الوباء.

عبد القادر حليمي، مدينة الجزائر نشأتها وتطورها قبل 1830، ط1، المطبعة العربية لدار الفكر الاسلامي، الجزائر، 1972 ص 273.

خليفة حماش، قراءة في أسباب انهزام الجزائريين في معركة أوسط والي.

ابراهيم مياسي، لمحات عن جهاد الشعب الجزائري.

أرزقي شويتام، المجتمع الجزائري وفعالياته في العهد العثماني 1519-1830.

محمد صالح العنتري، مجاعات قسنطينة.

ياسين بودريعة، أوقاف الأضرحة والزوايا بمدينة الجزائر وضواحيها خلال العهد العثماني من خلال المحاكم الشرعية وسجلات بيت المال والبايلك.

ابن منظور، لسان العرب، ناقشه وعلق عليه ووضع فهارسه على المشيري.

صالح عباد، الجزائر خلال العهد التركي.

عبد الجليل التميمي، الحياة الاجتماعية في الولايات العربية أثناء العهد العثماني.

صالح خرفي، الجزائر والأصالة الثورية.

محمد البشير الهاشمي مغلي، التكوين الاقتصادي لنظام الوقف الجزائري ودوره المقاوم للاحتلال الفرنسي.

مصطفى أحمد بن حموش، الوقف وتنمية المدن من التراث إلى التحديث.

عبد الرحمن بن محمد الجيلالي، تاريخ الجزائر العام.

بوعزة  بوضرساية، سياسة فرنسا البربرية في الجزائر، 1830- 1930.

خديجة بقطاش، الحركة التبشيرية في الجزائر، 1830 – 1871.

NameE-MailNachricht