حسين آيت أحمد دوره ونشاطه
في الثورة التحريرية :
يشهد التاريخ بأن
حسين آيت أحمد كان من الفاعلين في تهيئة ظروف الحالة الثورية والانتقال للعمل
المسلح تجسيدا لشعار الحركة الوطنية "العمل المباشر" سواء من خلال
اتصالاته بالمناضلين في الجزائر أو في أوروبا وفي فرنسا على الخصوص. أو من خلال ما
كان يقوم به من اتصالات مع الممثليات الدبلوماسية المعتمدة في القاهرة والتي أصبح
ضمن تشكيلية الوفد الخارجي المقيم بها، بعد الثورة مباشرة بتمثيل القضية الجزائرية
في مؤتمر باندونغ 1955م، قصد التعريف بها وبمطالبها والرد على الدعاية الفرنسية
المعارضة لفكرة، التدويل من خلال وقوفها أمام كل مسعى دبلوماسي يقوم به الوفد.
لينعقد مؤتمر الصومام التاريخي والذي كان لحسين آيت أحمد موقف من انعقاده لكن قبل
أن نتعرض لهذه الإحداث، كان علينا لزاما معرفة الدور الذي لعبته هذه الشخصية في
تدعيم الثورة بالسلاح .
حيث أقدم حسين آيت أحمد أثناء تقديمه لتقريريه
في مؤتمر زدين على النقص الشديد الذي تعاني منه المنظمة في التسليح، إلا أنها
تمكنت من الحصول على كمية معتبرة من السلاح من ليبيا سنة 1948م، حين قام حسين آيت
أحمد ومحمد بوضياف من التنقل إلى بسكرة عبر الطريق الصحراوي لجلب السلاح من ليبيا،
بعد أن تم الاتفاق على مبلغ مالي يدفع من ميزانية المنظمة وهذا لاقتناء جمال تقوم هذه الأخيرة بنقل الأسلحة وبعد
ذلك يتم بيعها. ولقد تمت هذه العملية بنجاح. حيث تم الحصول على كمية معتبرة
من السلاح تمثل في 100 بندقية، وكمية كبيرة من الذخيرة، ولقد دفع مقابل هذه الصفقة
مبلغ مالي قدر بنصف مليون فرنك فرنسي قديم.
وهو ما يؤكد أن فكرة تهريب السلاح
سريا إلى الجزائر بدأت عندما أقر حزب الشعب الجزائري إنشاء المنظمة الخاصة، والتي
كان من المفروض أن تحول إلى جيش وطني سري، يسعى لتحرير الجزائر عن طريق العمل
المسلح. بمعنى أن السلاح التنظيم الخاص التابع لحزب الشعب هو النواة الأولى لسلاح
جيش التحرير، في حين يذكر طاهر جبلي في كتابة أن الإعداد المادي لثورة بدأ سنة
1952م، بعد أن اجتمع كل من أحمد بن بلة ومحمد خيضر وآيت أحمد في العاصمة المصرية،
وشكلوا النواة الأولى لما عرف بالوافد الخارجي لثورة غداة اندلاعها وستحدد مهمة
جلب السلاح على رأس أولوياتها.
وكما هو ملاحظ فإن ما ميز الثورة
الجزائرية في بدايتها عن باقي الثورات، كونها تسلحت ذاتيا، فالأسلحة التي
استعملتها الثورة في الفترة الممتدة من بين 1954م، كانت تقريبا 95% منها بنادق
للصيد جمعت من سكان الأرياف 59% كانت عبارة عن أسلحة حربية أو توماتيكية من مخلفات
الحرب العالمية الثانية جمعها نشطاء المنظمة الخاصة.
ففي
منطقة الأوراس قرر آيت أحمد رفقة بوضياف تحويل الديناميت الذي تمكن الصيادون من
جمعه إلى الحروش، ولقد كلف بالإشراف على هذه العملية سوداني بوجمعة، إلا أنها فشلت
إثر وقوع الشاحنة المحملة بالديناميت في حاجز الدرك الفرنسي، إضافة إلى أن آيت
أحمد تمكن من الحصول علي جهاز إرسال واستقبال « «émetteur récepteur، من مقر قيادة ايزنهاور بفندق سان
جورج الجزائر حاليا.
ومع العلم أن
نوعية الأسلحة التي استخدمت لم تكن جيدة، لذلك رأى آيت أحمد أن المنفذ الوحيد
لتجاوز هذه الأزمة، يكمن في الاستغلال الجيدة للمناطق الحدودية للجزائر من جهتي
تونس والمغرب، والذي بدوره يسرع عملية تحقيق مشروع جبهة مسلحة مغربية حيث يقول:
"... أن الضرورة الملحة تكمن في توحيد كفاح الشعوب في
البلدان الثلاثة تونس الجزائر، المغرب ...".
وهو
ما تحقق بالفعل، حيث تهاطلت المساعدات من طرف الشعب المغربي الذي اعتبر أن أهم شيء
يمكن تقديمه للثورة الجزائرية هو السلاح، هو ما أكده محمد يوسفي في قوله:
"... لقد ساعدونا وأعطوا لنا الأسلحة ومونون، كما أعطوا لنا مراكز ..."
. حيث كان التنسيق محتوما بين قيادات حزب
الاستقلال والقادة التونسيين ، وتركز
الدعم التونسي بفتح الحدود وتقديم تسهيلات لعبور الأسلحة. و تخزينها.
في أفريل 1954م
كسب موقفها لدعم القضية الجزائرية. وهو ما أكده فتحي الديب بقوله: "...
وبمعرفتنا بإمكانيات الإخوة الجزائريين المحدودة من الأسلحة والذخيرة .... ضرورة
توفير احتياجات المكافحين لمراحله المسيرة النضالية. باشرنا منذ أول أكتوبر 1954م
... التحضير لتزويدهم بالأسلحة ...".
وهو
ما تبين الدور الفعال الذي قام به حسين آيت أحمد ضمن ما عرف بالوفد الخارجي
للثورة، (حسين آيت أحمد– بن بلة – محمد
خيضر). والذي بدأت ملامحه بالظهور بعد سنة 1952م، فمجرد وصولهم إلى القاهرة شرعوا
في ممارسة ثقلهم السياسي مستغلين التقارب الذي حصل بينهم وبين أعضاء اللجنة
الثورية لوحدة والعمل.
لتبدأ
مرحلة العمل الدبلوماسي والإعلامي لحسين آيت أحمد من أجل التعريف بالقضية الجزائرية.
ففي إطار مهام الوفد الخارجي كلف حسين آيت أحمد بتسيير العلاقات الخارجية، وهو ما
سمح له بأن يكون ذا شأن كبير في النشاط الدبلوماسي أمثال محمد يزيد، وعبد القادر
الشاذلي ومحمد الصديق –بن يحي.
كما
شارك في مؤتمر السلام المشترك في العاصمة التونسية من أجل البحث عن حل للقضية
الجزائرية وإنهاء الحرب بين فرنسا
والجزائر.
ولكن
لعل أحسن تمثيل لآيت أحمد للجزائر كان في مؤتمر باندونغ رغم مشاركة أعضاء الوفد
الخارجي كفوج ملاحظ فقط. هذا المؤتمر الذي انعقدا في 18 أفريل 1955م بأندونيسيا.
والذي
حقق أمال الشعوب الحرة، خاصة من خلال قدراته التي تعبر عن مطامح كل الشعوب في
الحرية، التقدم، العدالة والتعايش السلمي، حيث ذكر مالك بن نبي في كتابه أن مؤتمر
باندونغ يعتبر التأكيد الأول والصريح لحق الشعوب الأسيوية والإفريقية في أن تدير شؤونها
الخاصة في نطاق استقلالها.
حيث
استطاعت الثورة الجزائرية بعد قيامها بأشهر قلائل بأن تطرح المشكل الجزائري على
نطاق واسع على الصعيد المحلي والفرنسي
والدولي السواء، رغم صعوبة تدويلها والتي سارت بوتيرة بطيـــئــة.
فعرضت
للأول مرة في مؤتمر باندونغ الذي مهددة له جبهة التحرير الوطني، من خلال إيفاد كل
من حسين آيت أحمد ومحمد يزيد لحضور، اجتماع "دول كولمبو"، بمدينة بوغور
الاندولسية في أواخـــر ديسمبر 1954م.
ليقوما
بتمثيل الجزائر في مؤتمر باندونغ. من خلال حمل ملف شامل وعرض دقيق في واقع الصراع
الجزائري الفرنسي وانعكاساته على الثورة سياسيا، عسكريا، والجدير بالذكر أن اهتمام
حسين آيت أحمد كان منصبا بدرجة كبيرة على تحقيق الاستقلال أولا وتدويل القضية
الجزائرية على المستوى العربي ثم تحويلها إلى رواق هيئة الأمم المتحدة ثانيا.
هذه
الأخيرة التي استطاع آيت أحمد الوصول إليها، باعتباره مثل الوفد الخارجي بنيويورك،
من خلال متابعة المواقف الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة من القضية الجزائرية،
وذلك من أجل تحقيق تسجيلها نهائيا.
بعدها
بسنة انعقدا مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956م، بواد الصومام والذي يعتبر منعطفا
حاسما في مسار الثورة وتنظيم الجيش بصورة خاصة بحيث كان القاعدة التشريعية لثورة
لكن رغم هذا فإنه فتح في نفس الوقت أبواب الصراع أمام قادة الثورة، حيث يؤكد فتحي
الديب أن هناك تمرد من طرف قادة جيش تحرير الوطني، نتيجة لعدم اقتناع البعض منهم
من نتائج وقرارات المؤتمر ومن ثمة أعلنوا رفضهم لكل اقترحاته، ونتائجه التي خرج
بها في المجالين السياسي والعسكري.
ففي23سبتمبر1956م،
كتب عبان رمضان رسالة إلى محمد خيضر يعلمه بقرارات المؤتمر، وفي نفس الوقت تسلما
فيه، أحمد بن بلة محضر المؤتمر من طرف حسين آيت أحمد والذي كان رده بأن المؤتمر لم
يكن ذا شرعية.
نظرا
لإهماله بعض المناطق مثل الأوراس ومنطقة وهران وبعض مناطق الشرق وبالإضافة إلى
عناصر الوفد الخارجي، كما أنه لم يستطيع تقبل فكرة استبعاد الإسلام من التنظيمات
السياسية.
أما
حسين آيت أحمد الذي كان من الغائبين عن هذا المؤتمر، والذي كان بالولايات المتحدة
الأمريكية، ثم انتقل إلى مدريد العاصمة الاسبانية لحل مسألة متعلق بالسلاح، والتي
وجد لها حل عند البنتاغون الأمريكي، كان موقف عكس زملائه.
حيث
رد أيت أحمد في إحدى اللقاءات بمناسبة الذكرى 46 لانعقاد مؤتمر الصومام على عدة
تساؤلات التساؤلات حيث أنه بوجود
معارضة شديدة مؤتمريه يقول أنه لا يمكن تطور النتائج التي يمكن أن تحدث في
حالة خروج الصراع عن مساره الذي وصل إلى حد المواجهة العسكرية.
أما
فيما يخص قرارات المؤتمر يقول بأنه كان الوحيد الذي اعترف بها من بين المعتقلين في
سجن لاسونتي ، فمن وجهة نظره أن هذه القرارات كانت تعبر عن شعور أعضاء الوفد
الخارجي، وتصلح أن تكون دعما لتكوين حكومة مؤقتة لتجاوز هذه الخلافات، إلا أن هذا
الاقتراح لم يؤخذ بعين الاعتبار.
يمكنك
التعمق أكثر في الموضوع من خلال المصادر والمراجع الآتية:
عماد رخيلة : المرحوم حسين ايت احمد
المناضل الرمز.
بوبكر حفظ الله : التموين و التسليح
أيان ثورة التحريرية الجزائرية 1954 م- 1962 م.
مراد صديقي:الثورة الجزائرية عمليات
التسلح السرية.
طاهر جبلي: الإمداد بالسلاح خلال
الثورة الجزائرية (1954-1962).
عبد الله مقلاتي : أصدقاء الثورة
الجزائرية العرب.
محمد يوسفي : مجلة الباحث.
عبد الله مقلاتي : الثورة الجزائرية
والمغرب العربي.
عبد الله مقلاتي:مصر و الثورة
التحريرية الجزائرية.
فتحي الديب:جمال عبد الناصر والثورة
التحريرية الجزائرية.
مشري عمر، رحيل احد صقور الثورة حسين
ايت احمد.
رابح لونيسي :محاضرات وابحاث في تاريخ
الجزائر.
محمد عباس :الثورة الجزائرية نصر بلا
ثمن.
محمد الصالح الصديق :ايام خالدة في
حياة الجزائر.
بسام العسلي :جهاد الشعب الجزائري.
محمد عباس : نصر بلا ثمن الثورة
الجزائرية (1954-1962).
عبد
القادر حميد :عبان رمضان مرافقة من أجل الحقيقة.
مبروك
بلحسن :مراسلات بين الداخل والخارج الجزائر وهران(1954م-1962)مؤتمر الصومام في
مسار الثورة التحريرية.
محمد عباس :ثوار عظماء شهادات.
تيزي ميلود : مواقف قيادة الثورة من
مؤتمر الصومام.