أزمة
حركة الانتصار لحريات الديمقراطية وموقف حسين آيت أحمد منها
بعد أن اكتشفت
المنظمة الخاصة من قبل السلطات الاستعمارية سنة 1950م، بعد حادثة تبسه التــــي
أدت إلى حلها، واصل الأعضاء الفارون عملهم النضالي في بعض المناطق مثل الأوراس
التي شهدت استمرارية في العمل الثوري بقيادة مصطفى بن بولعيد رافضا قرار
حلها في تلك الأثناء بدأت الخلافــــات تظهر بين قادة الحزب أنفسهم، والتي من
الصعب أن نفهم أسبابها.
ولقد برزت
هذه المشاكل على مستوى قيادة الحزب ما بين المكتب السياسي واللجنة المركزية، فمع
نهاية 1953 وبداية 1954م أصبح الانشقاق داخل الحزب يكتسي صفة الرسمية، حيث يذكر
عبد الحميد زوزو في كتابه أن الوضع تأزم بدرجة كبيرة مع انعقاد المؤتمر الثاني
لحزب في أفريل 1953م، والذي أسفـــــر عنه اختلاف فـــــــــــــي التحليل وتباين
في المواقف حول كيفية التعامل مع عمليات القمع وأساليب التلفيق التي أصبحت عارية
تمارسها الإدارة الفرنسية بالجزائر.
ولقد تدرج الخلاف أيضا إلى المستوى تبادل الاتهامات بين
الطرفين، فاالمركزيون في نظر المصاليين بيروقراطيون وإصلاحيون خلدوا إلى وضعهم
الاجتماعي الذي "تبر جوز" وبالتالي فقد حادوا عن السياسية العامة للحزب
التي اعتمدت على القطيعة كأسلوب عمل في علاقاتها مع الإدارة الفرنسية مند حوادث 8
ماي ، بينما أولئك في نظر المركزيين، غير واقعيين، عاجزون عن التجارب من منطق
التطور والذي يتضمن ترك الزعامة كفكرة والتقيد برأي الأغلبية.
ويمكن التطرق لبعض العوامل التي أدت لنشوب هذه الأزمة،
نذكر منها:
1- طرح مصالي الحاج
بصفة رئيس للحزب يومي 4 ـــــ 5 جويلية 1953 ثلاثة أسماء لاختيار واحد منهم أمينا
عاما للحزب، على أن يختار الأمين العام الجديد بدوره يختار الأشخاص الدين يساعدونه
في إدارة الحزب ولقد كان هؤلاء الأشخاص هم: يوسف بن خده ــــ حسين لعول ـــــــ
أحمد مزغنة ، ولقد وقع الاختيار على :
علي يوسف بن خدة كأمين عام للحزب،
والذي قام باختيار السادة حسين لحول، سيد علي بن الحميد كيوان وفروخي كأعضاء
مساعدين له في إدارة الحزب، وبذلك يكون بن خده قد أبعد أنصار مصالي الحاج عن
القيادة مثل أحمد مزغنة ومولاي مرباح.
2- بداية أعضاء الجناح
العسكري الذي لم يكن لهم لا تمثيل جزئي في اللجنة المركزية للحزب وتمثيل ضيق في
قيادة الحزب- ينفصلون عن الحزب، ويعملون بكل ما أوتوا من قوة من أجل إعادة تشكيل
المنظمة العسكرية.
3- توجه سلطة الحزب
تدريجيا إلى أسلوب الحوار الذي قاده المثقفون، والعمل على تجسيد مبادئ الديمقراطية
في صفوف الحزب وكذلك التنافس مع الأحزاب للحصول على مناصب سياسية، وكان هذا التيار
المؤيد لفكرة المشاركة في الانتخابات يقوده حسين لحول، سيد علي، عبد الحميد وعبد الرحمان
كيوان، وكان هؤلاء يعملون ظاهريا وفق تعليمات رئيس الحزب مصالي الحاج، ولكنهم في
الواقع كانوا يعملون من أجل تقليص نفوذ مصالي ودفعه لقبول مخططاتهم ، والتي :
تهدف
إلى التخلص من العناصر التي كانت تنادي بالعودة إلى العمل السري ومواصلة عملية
استكمال التحضيرات الضرورية للثورة.
4- قيام مصالي الحاج في اجتماع اللجنة
المركزية المنعقد من 12-16 سبتمبر 1953م، بسحب الثقة من الكاتب العام وأعضاء الجنة
المركزية للحزب، وطلب من جديد منحه السلطة المطلقة لتسير دفعة الحزب بمفرده، مهما
يكن بعده عن مقر الحزب، أي من المنفي، ولقد دعمه في موقفه كل من السادة: أحمد
مزغنة ومولاي رابح وفيلالي وهم أعضاء في المكتب السياسي.
إلا أن ذلك لم يلق قبولا من طرف أعضاء الجنة
المركزية، الذين رفضوا بقوة كل الإجراءات التي اتخذها مصالي الحاج، حيث قرروا في
اجتماعهم الذي انعقدا من 12-16 من سبتمبر 1953م، رفض مبدأ السلطة المطلقة على
اعتبار أن وجود مصالي بعيدا عن البلاد يقف حائلا دون قدرته تسيير شؤون الحزب كما
ينبغي.
ولم تبقى
الخلافات محصورة في مستوي القيادة، بل توسعة لتشمل القاعدة النضالية للحزب، بحيث
أصبحت مجموعة تدعم كتلة مصالي الحاج
ومجموعة أخرى كتلة اللجنة المركزية، وفي نفس الوقت أصبحت كتلة مصالي تتهم أعضاء
المنظمة الخاصة بتحيزهم إلي اللجنة المركزية نتيجة لارتباطهم بها كروؤساء دوائرة
ضمن هياكل الحزب ونتيجة لذلك برز عدد كبير من إطارات الحزب ومناضليه الذين عبروا
عن رفضهم عن الانشقاق، حيث بدلوا جهدا كبيرا داخل وخارج الجزائر (المهاجرين)
للحفاظ على وحدة القاعدة النضالية، إلا أنهم فشلوا في ذلك، كفشل محاولة إطارات
المنظمة الخاصة للإصلاح ذات البين بين الكتلتين وإصلاح ما أفسدته إغراءات الكرسي.
ولعدم تمكن الطرفين من الوصول إلى حل وسط يرضي الطرفين بالاتفاق على ترتيبات العمل
المسلح، اتجه كل طرف إلى عقد مؤتمر خاص به ليضفي الشرعية السياسية على موقفه
وتبرير توجهاته الإيديولوجية.
الأول مؤتمر المصاليين المنعقد في هورنو 13-15
جويلية 1954م، و لقد كانت أهم نقاطه تتمحور حول إدانة الخروج عن سياستهم العامة
التي بدأت تظهر في 1953 ويقصدون بذلك المركزيين. كما قام بمنح الثقة المطلقة
لمصالي الحاج والدعوة لمبادئ الثورية.
وكرد فعل فوري من أعضاء اللجنة المركزية عقدوا
مؤتمر، نضمه المركزيون ما بين 13-16 أوت 1954 في مدينة الجزائر والتي لخصت
مقراراته في رفض اتهامات الانحراف التي صاغها مصالي الحاج والتأكيد على مواصلة
الكفاح، وإقالة مصالي وجماعته من مسؤولياتهم الحزبية.
وبينما
كان الصراع مستمرا نهاية مارس 1954 ما بين المصاليين وأعضاء اللجنة المركزية، ظهر
تنظيم جديد أتي لإرباك مصالي الحاج في الوقت الذي كان يستعيد فيه تفوقه ويملي على
الآخرين شروطه، يقوم أعضاء المنظمة الخاصة في إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل،
والتي تمثل دورها في احقاق المصالحة بين التوجهين الاثنين بحثهما ودفعهما إلى
العمل.
انعكس أثر هذه الأزمة على مستوى العمل الخارجي
للحزب (ح إ ح د) حيث أجبر التباعد بين مصالي الحاج واللجنة المركزية عناصر الوفد الخارجي ( آيت أحمد – أحمد بن بلة –
محمد خيضر)، على طلب الدعم من العناصر المنشقة (المنظمة الخاصة) لاستقطاب شخصيات
الحركة الوطنية حيث كلفوا بوضياف بتشكيل قوة لتفجير الثورة.
وفي
ظل البحث عن السبيل للقضاء على أزمة تباعد المواقف بين الحزب لتفادي الانزلاقات
السياسية والصراعات الشخصية الضيقة غير المجدية، حاول محمد خيضر التوضيح للإخوة
الأعداء ( المركزيين – والمصاليين) أن العمل المسلح ليس مسؤولية تيار أو آخر و
إنما مسؤولية جميع تيارات الحركة الوطنية.
أما عن موقف حسين آيت أحمد من هذه الأزمة فلقد
جاء على شكل تساؤل حيث قال أنه لو لم تنكشف المنظمة الخاصة في مارس 1950 بتلك
التبعات الإستراتجية والسياسية والعنصرية المعروفة، هل كان بإمكان الانقسام الذي
وقع فيما بعد بين المركزيين والمصاليين قدرا تاريخيا محتوما؟.
أي
تعتبره انقساما غير مجدي، ولا يفيد في شيء، ذلك أن القوة التي كان يمارسه المعقل
الثوري في القبائل تم تجسيده وأصبحت المنظمة الخاصة في أيدي أمينة، ولو كان بمقدور
القيادة أن تسكت صراعات العصب والأجنحة تحت حجة خطر البربريست، وبالتالي كان
بمقدورها أن تستعيد توازنها.
ومنه
يظهر أن أزمة حركة الانتصار حريات الديمقراطية بين المصاليين والمركزين والتي حادت
عن مسارها الثوري بشكل علني وصريح، كادت أن تؤدي إلى انشقاق لا يحمد عقباه، فلو لا
تدخل الحياد المتكون من قدماء المناضلين في المنظمة الخاصة الدين سعوا إلى التوفيق
بينهما علي أساس العمل والثورة، في إطار اللجنة الثورية للوحدة والعمل، ولكنها لم
تجد أدانا صاغية، فشقوا الطريق وحدهم نحو تفجير الثورة.
يمكنك
التعمق أكثر في الموضوع من خلال المصادر والمراجع الآتية:
عبد الحميد
زوزو : محطات في تاريخ الجزائر.
عمار بوحوش :التاريخ السياسي للجزائر من البداية
ولغاية 1962.
أحسن بومالي،أول
نوفمبر 1954، بداية النهاية "خرافة " الجزائر الفرنسية.
يحي بوعزيز السياسة الاستعمارية من
خلال مطبوعات حزب الشعب الجزائري.
قريري سليمان: تطور الاتجاه الثوري
(1940-1954).
احمد محساس ، تع: حسن بن مهيدي مجلة
الثقافة الصادرة بالجزائر.
خيشان محمد مهام الوفد
الخارجي لجبهة التحرير الوطن للقاهرة ، ص
145.
شارل
اندري فافرود :الثورة الجزائرية.
محمد تقية : الثقورة الجزائرية.