JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Accueil

نبذة تاريخية عن حسين آيت أحمد

 

نبذة تاريخية عن حسين آيت أحمد:




لابد لكل عصر من العصور أن يحتاج إلى أشخاص غير عاديين يستطيع عامة الناس رجالا ونساء أن يتطلعوا إليهم كمثال يحتدى به أو كظاهرة جديدة تجذب الاهتمام ففي تاريخ الجزائر عامة ومرحلة أربعينيات القرن الماضي خاصة برز جيل من المناضلين الشباب مكن الحركة الوطنية من أحداث نقلة نوعية في أساليب عملها وتحديد أهدافها وتأصيل طروحاتها.

وشاءت الأقدار أن يكون حسين آيت أحمد أحد الفاعلين الرئيسين في رسم المسار الجديد للحركة الوطنية.هذه القامة التاريخية الكبرى من العظماء الذين أنجبتهم الجزائر ومن الشخصيات الهامة في تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية كانت له رحلة شاقة بدأت في سن مبكر، مر بعدة محطات كانت لها وزن قيل في التاريخ، فكل هذه المميزات جعلنا نقف عند هذه الشخصية ونخوض في البحث فيها ومعرفة خفاياها... ومن أجل تسليط الضوء أكثر على شخصية حسين آيت أحمد لا بد من التعرف على مولده  ونشأته بالإضافة إلى التطرق إلى تعليمه، كل هذه المراحل الأولى في حياته والتي كانت لها الفضل في تكوينه.

مولده ونشأته

ولد حسين آيت أحمد يوم الجمعة 20 أوت 1926  بقرية آث أحمد هذه القرية التي المتعددة التي تنام على ذراعي واد على ارتفاع ألف متر عن مستوى سطح البحر.

تدعى هذه القرية آيت أحمد دائرة عين الحمام ولاية تيزي وزو، خرجت منها شخصية آيت أحمد إلى الوجود في وسط عائلة كبيرة لها علاقة بالطرق الصوفية.

ينحذر آيت أحمد من أصول شريفة وعريقة بالنظر إلى جده محند الحسين الذي كان مرابطا، فقد كان يقوم بتحفيظ القرآن الكريم للطلبة ويستقبل الجموع الغفيرة من مريدي الطريقة الرحمانية الذين يتوافدون إليها من أجل التبرك فهو بذلك سليل عائلة كبيرة من المرابطين  ويعرف الشيخ محند في منطقة القبائل بالـ" أموسنار" أو الفيلسوف الحكيم بالأمازيغية، وقد اشتهر بحكمته ومعرفته في كامل المنطقة وعرف خصوصا بقوله: » إنّ البساطة أقوى من الدهاء« فقد جعل من القرية في حياته موئلا للسلام والوئام، ومكان يستقبل جميع أفراد المجتمع القبلي كبارا وصغارا.

وقد تحدث حسين آيت أحمد في سياق كلامه عن فئة الإشراف المرابطين التي ينتمي إليها وهي فئة نخبوية في المجتمع الزواوي مرتبطة بالثقافة العربية الإسلامية، كانت مهامها نشر الوعي الإسلامي والتعليم العربي ونشر ثقافة المصالحة والتسامح بين القرويين فقد حظي أفرادها بتقدير واحترام كبيرين.

فقد نشأ وترعرع حسين آيت أحمد في بيئة ذات علم ودين وتقوى ، والده يدعى محند أو يحي ابن أخت الشيخ محند أو الحسين لا فطيمة كان رجلا بسيطا وصلبا ملتزما بالتقليد العائلي في عدم التعاون مع الإدارة الاستعمارية، ولشخصية حسين آيت أحمد بعدا أخر فهو سليل المجاهدة لالا فاطمة نسومر التي تنحدر منها أمه التي تدعى مياسة بن قداشة من ضواحي آيت يوسف، فقد كانت لا لالا فاطمة نسومر ومازالت رمزا لمقاومة المرأة الجزائرية للاستعمار الفرنسي حيث أنها لقبت بقاهرة المهزلات بما ألحقته من خسائر بالقوات الفرنسية الغازية لمنطقة القبائل في القرن 19م، كان هذا البعد التاريخي يمثل المرجعية وخلفية الشخصية آيت أحمد ودافعا في بقية حياته.

ويشير آيت أحمد إلى عمه الذي قال عنه أنه يشبه الممثل روبرت تايلور حيث كانت له نفس الثقة الهادئة ونفس الابتسامة ونظرة ملؤها الصراحة والنور فقد كان شابا مسالما طالبا في الجامعة تعلم بمدرسة الضباط بشرشال حيث تخرج كضابط صنف لكنه رفض الاستجابة لاستدعاء التجنيد الإجباري.

تعلم آيت أحمد دروسه الأولى من عمه فقد كان مثلا له، كما أخد منه الفلاحة وتطعيم الأشجار بالإضافة أنه تميز بالشجاعة وبفضه لم يكن آيت أحمد جاهلا بوجود مطالب وطنية.

أما أخوال أبيه الثلاثة فقضوا كل حياتهم عمالا في مؤسسات رونو للسيارات.

هذا وقد قضى آيت أحمد طفولته في قريته آث أحمد التي كانت ولازالت مركز تكوينه ومكان استحضار لذكرياته، إذ عاش فيها حياتا قاسية على غرار الحالة الاجتماعية التي ميزتها الأمراض وشح الغداء ما نتج عنها حصد الكثير من أرواح الأطفال مما أذى إلى ارتفاع في نسبة الوفيات.

تزوج حسين آيت أحمد من إحدى بنات الجزائر سنة 1952م وقد كان في سلك الآونة يدر في إحدى ثانويات العاصمة وهي جميلة بنت الحاج عاشور التي مازالت على قيد الحياة.

يمكن القول أن حسين آيت أحمد نشأ وسط عائلة مشبعة بالتربية الصوفية حيث يمكن اعتبارها هي المدرسة الأولى التي أخذ منها مناهج الحياة إذ أن  جده كما ذكر سابقا أحد رموز الطريقة الرحمانية التي واجهت الاستعمار في منطقة القبائل كما يمكن الإشارة إلى أنه نشأ بين طلبة القرآن ومريدي الطريقة الرحمانية وهذا عامل أساسي في تكوين شخصية آيت أحمد.

تعليمه:

بدأ حسين آيت أحمد تعليمه في سن الرابعة بالمدرسة القرآنية،حيث تعلم قراءة وترتيل القرآن ولكن دون فهمه ويصف آيت أحمد في مذكراته الطريقة التي كانوا يدرسون بها أنداك حيث يقول » كنا نجلس على الأرض بما في ذلك المعلم وما يميزه عنا هو جلد الخروف الذي كان يفترسه ويقول أن اسمه بالأمازيغية  (هيدورة)، وكان الطفل يكتب على لوح خشبي يتم طلاؤه بالصلصال ثم يجفف، أما الريشة فقد كانت مصنوعة من الخشب ويتم وضع المداد فيه الذي يصنع من الصوف المحروق«.

عندما بلغ سن الدراسة من عمره التحق بالمدرسة الابتدائية بقرية تيفردوت  ويذكر آيت أحمد أنه هاجر عند عمه له حتى يكون أقرب إلى المدرسة فقد كانت لهذه المدرسة قوانين عرقية تلزم كل الأطفال في سن الخامسة أن يترددوا على المدرسة القرآنية  التي كانت تتواجد في منطقة ميشلي لوحظ على آيت أحمد الذكاء والفطانة فقد اجتاز المرحلة الابتدائية بنجاح مما أهله لمواصلة الدراسة  فعند بلوغه سن العاشرة تنقل إلى قرية أخرى لمزاولة تعليمه في المدرسة الفرنسية حيث كانت تتألف من فرعين:

-       فرع فرنسي: مخصص لأبناء الموظفين الفرنسيين.

-       فرع للأهالي.

فقد كان الأطفال الذين زالوا دراستهم في المدرسة الفرنسية محظوظون فهم فئة قليلة لا تتعدى 10%من البالغين سن التمدرس أما البقية الباقية كانوا فريسة للجهل والأمية وحتى تلك الفئة القليلة تعاني من التمييز العنصري  ويذكر حسين آيت أحمد أن مدير المدرسة يدعى تومي Thomè الذي جاء حديثا من فرنسا، كان مشبعا بالقيم الإنسانية فقد أهله للمنافسة الالتحاق بالثانوية في السنة الأخيرة، أما فيما يخص المعلمون ذوي الأصل القبائلي  فيصفهم بالصلابة التي كانت لابد منها لفرض الانضباط في أقسام مكتظة بالتلاميذ.

وبمساعدة المدير توميThomé  شارك آيت أحمد وتحصل عام 1939م على شهادتي كأنديجاني وكفرنسي وقد سمح له المشاركة فيهما الاثنين ونجح في مسابقة الدخول للثانوية وقد كانت تستقبل الطلبة الأهالي ما بين 40 إلى 50 من بين المئات أو الآلاف المشاركين في المسابقة.

كان من المفروض أن يلتحق آيت أحمد بثانوية بن عكنون في الضواحي الغربية للجزائر إلا أن الجيش قد احتل المباني فتقلت الثانوية إلى بوزريعة في مباني معهد تكوين الأساتذة  وقد وصف آيت احمد حياتهم هناك قائلا: » إنها حياة شبيهة بحياة الثكنة، لباس موحد، الاستيقاظ على دقات الطبول والمرور إلى دورات المياه في أوقات محددة  تحت الرقابة الدائمة«.

في هذه الفترة أصبح آيت أحمد أكثر إحساسا بالفرق والهوة التي تفضل بين جذوره الأولى وبين التي أصبح يعيش فيها وهو يرى أبناء الأوروبيين ينعمون بالرفاهية والتعليم والعيش الرغيد فهذه المسافة بين الحالتين كانت كبيرة جدا.

في جانفي 1943 انتقل آيت أحمد إلى الدراسة في مسقط  رأسه تيزي وزو  وقد عرفت حياته الدراسية هناك تغييرا كبيرا حيث اضطر الالتحاق بثانوية فرومونتان للبنات، حيث كانوا أربعة أو خمسة ذكور في قسم يضم أربعين تلميذة ولكنه هذه المدرسة المختلطة جعلته  يبرز كل طاقاته من تنافس فكري  وفي السنة الموالية 1944 عاد آيت أحمد للدراسة في ثانوية ابن عكنون بالعاصمة  لقد قطع حسين آيت احمد مراحل عديدة ومختلفة في مشواره الدراسي إذ ابتدأ أمره بتعلم القرآن في سن مبكر، فقد حفظ في كتاب قريته ما تيسر من القرآن الكريم وقد كان للثقافة الصوفية الرحمانية التي نشأ في ظلالها الأثر البالغ في نشأته وتعلمه.

وفاته:

بعد سبعين سنة من النضال ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم والنظام الديكتاتوري،  بقي الزعيم زعيما لم يطمع يوما لدى الحكام لا في منصب و لا جاه ولا مال، همه الوحيد هو الجزائر لا غير.

رحل الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، رحل في غير صمت محدثا هال من الحزن لقد كان مناضل و مكافح شرس، من أجل الحرية والكلمة الحرة الديمقراطية.

تعرض حسين آيت أحمد إلى جلطة دماغية أفقدته القدرة على الحديث  فيها تقول مصادر أخرى أنه كان يعاني من مرض العضال الذي أدى بحياته حيث كان مستقرا بجنيف بسويسرا،وذلك يوم 23 ديسمبر 2015  بوفاته سقط جبل آخر من التاريخ، بعد رحيل متتابع لزعماء صنعوا  تاريخ الجزائر، وقد انتهت بموته مسيرة نضال بعمر 89 سنة شخصها الراحل بالساعة والدقيقة بمواقف لم تثر يوما جدلا.

وكانت الجزائر قد ودعت يوم الجمعة 1 جانفي 2016 زعيمها الثوري وقائدها التاريخي ووري جمانه في مسقط رأسه بقرية آيت أحمد بلدية آث يحي دائرة عين الحمام  ولاية تيزي وزو تحت أنظار جمع عنفير من المواطنين الدين قدموا من مختلف أرجاء الوطن لتوديع من دأبوا على مناداته بحميمية الداي حسين.

وطيلة الأسبوع الفاصل بين وفاة الرجل ومراسيم دفنه تناولت معظم الصحف الوطنية من خلال المقالات والرويورتاجات والصور هذا الحدث الجليل مبرزة على وجه الخصوص مكانة الداي حسين في قلوب الجزائريين والجزائريات واشتملت قاعات التحرير مند انتشار نبأ رحيل آيت أحمد بكل جد وتنافس الصحفيون في نشر أخر مستجدات نقل جثمانه من سويسرا إلى الجزائر والتحضير لجنازة بمسقط رأسه أيت يحي بدائرة عين الحمام.

وقد ذكر حسين آيت أحمد في الشعر العربي حيث يتبن أن الشعراء العرب يتتبعون أحداث الثورة  ويعتبرونها للعرب والإنسانية وينظمون فيها القصائد أنقيل عن حسين آيت أحمد تفنيا به ضمن زملائه الربعة في قصيدة جزر المغرب.

وتصدرت وفاة أحد أبرز الشخصيات التاريخية لثورة نوفمبر المظفرة ، حسين آيت أحمد، الصفحات الأولى للصحف الوطنية التي أشادت به مقولا، مستذكر المشوار النضالي الطويل لهذا الرجل الرمز.. ومن بين هذه الصحف:

يومية المجاهد الناطقة بالفرنسية التي وضعت عنوانا..... إشهاده تحت  آيت أحمد المناضل ذو المشوار الطويل، مذكرة  أن البلد يفقد رجلا سياسيا هاما، أما صحيفة  الشعب التي تعتبر أول جريدة بعد الاستقلال فقد راحت تستوجب رجال السياسة والثقافة باختلاف .....  وتوجهاتهم فأجمعوا على أن الجزائر فقدت ابنا بارا.

أما الصحافة الأجنبية فقد تفاعلت مع وفاته ونشرت مقالات كثيرة فاعتبرت  قناة الجزيرة القطرية أن آيت أحمد هو أحد زعماء الجزائر ومؤسس أول حزب معارض أما جريدة المغرب فقد أثنت عليه باعتباره فقيد الجزائر وأفريقيا والعرب  وقد تكلم بن خدة عن أخلاق أحمد فيقول"

 »... آيت أحمد كان عفيف النفس، طاهر الذيل، شهما أبيا، صريحا إلى أقصى درجات الصراحة، صلبا في الحق لا يلين ولا يعترف بوجوب المرونة السياسية ولا قوة إقناع غريبة وله حسن قبول جميع الناس، ما جالس أحدا أو تحدث إلى أحد إلا أرغمه على حبه واحترامه ولو كان من أكبر حاسديه أو أعدائه... «

لقد كان الداي حسين أخر المرحلين من جيل الثورة ، فقبله رحل بوضياف وبن بلة وبن خدة وبيطاط وبومدين والشاذلي بن جديد وعلى  كافي وغيرهم وأخيرا رحل  رفيق دربه ونضاله وجهاده  وكفاحه عبد الحفيظ ياحا رحمه الله.

وقد كانت أخر هدية قدمها الزعيم لشعبه هو أن يدفن في مسقط رأسه وأن تكون جنازته شعبية وبسيطة، فتجاوب الشعب مع  زعيمه وتسابق المحبون والمؤيدون من مختلف أنحاء الوطن يعزون غير مبالين بالبرد ولا بالبعد ولا بالقرية النائية ولا بالجبال العالية.

حيث رفض آيت أحمد قبل وفاته أن يدفن بمقبرة العالية حيث يرقد رفاقه ورؤساء الجمهورية السابقين وكانت جنازته شعبية لم تشهد لها الجزائر …….جنازتي الرئيسين الراحلين هواري بومدين ومحمد بوضياف.

ما يمكن استنتاجه بعد دراسة نشأة حسين آيت أحمد وتكوينه وتعليمه هو أن العامل البارز في شخصية هي التربية الصوفية ضمن تعاليم الدين الإسلامي والقرآن الكريم التي نشأ عليها حيث أنه سليل الطريقة الرحمانية التي أخذ منها مناهج الحياة، هذا بالإضافة إلى حرصه على التعليم سواء  التعليم في الكتب القرآنية أو المدرسة الفرنسية على غرار تنقله من مكان إلى أخر من أجل مواصلة الدراسة، حيث تمكن في الأخير من الانخراط في صفوف الحركة الوطنية.                         

يمكنك التعمق أكثر في الموضوع من خلال المصادر والمراجع الآتية:

رابح لونيسي: تاريخ الجزائر المعاصرة 1830- 1989.

محمد أرزقي فراد: البعد الثقافي في مذكرات حسين آيت أحمد.

محمد الشريف ولد الحسين: من المقاومة إلى الحرب من أجل الاستقلال 1830- 1962.

حميد عبد القادر: فرحات عباس رجل الجمهورية.

بشير بلاح: تاريخ الجزائر المعاصر 1830- 1989.

عبد العزيز واعلي: الدا حسين أثر التاريخيين يرحل.

عبد الله مقلاتي: موسوعة أعلام وأبطال الثورة الجزائرية.

عمر مشري: رحيل أحد صقور الثورة حسين آيت أحمد.

عمار رخيلة: المرحوم حسين آيت أحمد.

جريدة المجاهد: اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني.

علي آيت جودي: مسيرة مناضل وزعيم.

رياض بن مهدي: صدى وفاة المجاهد آيت أحمد في الإعلام الوطني والدولي.

عمر المهدي بخوش: وداعا الدا الحسين.

محمد شراق: رحيل آخر العمالقة.

 

NomE-mailMessage