JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

يوميات حسين آيت أحمد في السجن وموقفه من القضية الوطنية

 

يوميات حسين آيت أحمد في السجن وموقفه من القضية الوطنية (المفاوضات).



اعتبر الزعماء الذين أقدمت فرنسا على اختطافهم في مقام مفاوضين لها لأنهم في نظرها رواد المقاومة في الجزائر، وكان اختطافهم بمثابة تحطيم لمؤتمر السلام في تونس، وردا على هذا الفعل الشنيع أصدر المجلس الوطني للثورة بلاغا رسميا فحواه أن الدعاية الفرنسية تحاول أن توهم الرأي العام أن الثورة الجزائرية فقدت الرأس المفكر بعد عملية الاختطاف لحسين آيت أحمد ورفاقه، وبرهن على أن الفكرة لا أساس لها من الفتحة وأن صوت الثورة لا يمكن إخماده بهذه العملية لأن الثورة ليست شخصية وإنما يقودها مجلس كامل وهو المجلس الوطني الذي كان حسين آيت أحمد أحد أعضائه الدائمين فقد عين ضمنه قبل أن يتم اختطافه هو والقادة الآخرين من خلال مقرات مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956م  بعد تعرض الزعماء لعملية الاختطاف أحبلوا إلى مركز الشرطة بمنطقة الأبيار الجزائر العاصمة وقد تعرضوا هناك للاستنطاق من طرف رجال الشرطة ولكن رغم وقوعهم في الأسر وتعرضهم لتشاؤم وسخرية البوليس الفرنسي، وعدم تمكنهم من مواصلة المشوار النضالي إلا أنهم كانوا متفائلين وزاد إصرارهم الشيء الذي جعل أحمد بن بلة يقول:" نحن لسنا خائفين من الأسر ولا من الموت وإن الثورة ستستمر بدوننا وستنتهي إلى النصر"  ومهما يكن من أمر فقد أمضى الزعماء الليلة الأولى من سجنهم مكبلين بالسلاسل وقبل أن تطلع عليهم الشمس دخل الجنود الفرنسيون إلى مكان سجنهم وفتشوهم بطريقة فظة وقد كان هدفهم الحصول على أوراق أو وثائق هامة.


بعد مكوث الزعماء في الجزائر قرابة العشرة أيام نقلوا إلى سجن لاسانتي lasant في باريس، وقد سافروا إليه وأيديهم مكبلة وكان كل واحد منهم محاط بمجموعة من الدركيين وأمام هذا لم تبقى جبهة التحرير مكتوفة الأيدي فقد قامت بعقد اجتماعات سريعة من أجل اختيار من يحل محل المختطفين وقد اختارت مندوبا جديدا يمثلها في الولايات المتحدة الأمريكية في المكان الذي كان يشغله حسين آيت أحمد.


أما عن أيام السجن في معتقل لاسانتي فقد كانت الأسابيع الأولى قد قضاها الزعماء بالنسبة لكل واحد منهم ملحقة بعزلة طويلة وانفراد قرب الباب الضخم وأقفاله المثقلة وسط الجدران الرمادية وصمت السجانين فقد منع هؤلاء من الرد عليهم أو التحدث معهم.


فقد كانت الزنازين خالية إلا من سرير صغير للنوم، أما رؤية بعضهم فلم يتمكنوا من ذلك إلا حينما سمحوا لهم بالخروج من أجل تحقيق عسكري معهم وقد أخضعوا في البداية إلى نظام رقابة صارمة تحت أنظار الحراس كل دقيقتين يفتح مصراع النافذة الصغيرة خوفا من قيامهم بالانتحار.


كانت حركات الحراس طوال شهر كامل بسيطة سريعة تتمل في فتح باب الزنزانة بالقدر الذي يتمكن فيه السجان من دفع أكلة الغداء والعشاء أو لوضع فهرست يحتوي قوائم الكتب المعدة للإعارة أو وضع الصابون والمنشفة في حافة المغسلة أو الاستعادة الثياب الوسخة هذا وقد كان الزعماء محرومين من أية زيارة تأتيهم من الخارج ما جعل الكتاب فسدهم هو خير جليس.


كانت فرنسا في حيرة من أمرها عن نوع المحكمة التي سيحاكم أمامها الزعماء فهل ستكون مدنية أم عسكرية؟ والراجح أن تكون محكمة عسكرية طبقا للقانون والسلطات الاستثنائية التي صادر عليها البرلمان الفرنسي في مارس 1956م  وقد اتهموا باتهامات قضت بمحاكمتهم وفق المادة 76 من القانون الجنائي تنص على عقوبة الإعدام باعتبارهم رعايا فرنسيين يهدفون إلى زعزعة القوة المعنوية في الأمة.



لم تكن المعاملة السيئة التي تلقاها الزعماء الخمسة في سجون فرنسا تقف عند حد اعتبارهم مجرمين فقد حدث أن توفي والد حسين آيت أحمد في شهر جانفي 1958م حيث كان لاجئا في تونس، وعلى اثر وفاته أرسلت له والدته رسالة في سجن لاسانتي lasanté  تخبره بذلك وما فتئت إدارة السجن إلا ومزقتها، فقد غاب عنه خبر وفاة والده إلا بعد أشهر عندما تلقى رسالة أخرى وصلت إليه بطريقة سرية مع إخوانه المجاهدين  فقد عانى السجناء في سجن لاسانتي من جراء معاملتهم من طرف الحراس كمجرمين خارجين عن القانون هددوا أمن فرنسا ومن جهة أخرى منعهم من معرفة شي ما يجري بالخارج ما يمكن قوله عن هذه الفترة أي فترة سجن لاسانتي إنما الفترة الأقصى والأصعب.


رغم تواجد الزعماء في سجن لاسانتي بفرنسا إلا أنه عند تشكيل الحكومة المؤقتة  الجزائرية يوم 19 سبتمبر 1958م عينوا ضمن قائمة وزرائها والجدير بالذكر أن حسين آيت أحمد كان من بين الذين اقترحوا تشكيل حكومة ورغم اختطافه في 22 أكتوبر استمر في المطالبة بتشكيلها وهو في السجن.


وإن كان تعينهم ضمن قائمة وزرائها يدل على شيء فهو يدل على القيمة الكبيرة التي أعطيت لهم في نظر رفقائهم من جبهة التحرير الوطني من جهة وفي نظر أعداء الثورة من جهة أخرى الذين كان في اعتقادهم أن الثورة ستقف بمجرد إلقاء القبض عليهم ، ولكن رغم تعينهم ضمن قائمة الوزراء إلا أنهم وقفوا متعجبين من رئاسة فرحات عباس لها هذا الأخير الذي كان في نظرهم غير مؤمن بالثورة وكانت لديه مشكلة مع قضية هوية الجزائر والجزائريين لذلك كان شعورهم تجاه هذا الأمر بالخطر الذي سيحدث داخل الثورة بالإضافة إلى أنهم لم يكونوا على متابعة كبيرة بالأحداث لأنهم يعيدون عن أماكن اتخاذ القرار ولكن فرنسا تلقت صفعة من تعيينهم كوزراء وأخرى من الإضراب عن الطعام الذي حد يوم 29 أكتوبر 1958 وقد كان تضامنا مع الرفيق رابح بيطاط الذي بدأ إضرابه يوم 16 جويلية من نفس السنة، وقد هدف ها الإضراب إلى تغيير المعاملة التي كان يتلقاها الزعماء من معاملة كمجرمين خارجين عن القانون إلى معاملة أسرى حرب أو أسرى حرب سياسيين الأمر الذي جعل من قضية قانونية تثار حول إمكانية معاملة الجزائري المناضل طبقا لاتفاقية جوتيف التي تحمي أسرى الحرب وهل بإمكان فرنسا الاعتراف بأن السجناء ينتمون إلى شعب يخوض غمار الحرب من أجل الاستقلال طبعا لا كعادة فرنسا هكذا كان جوابها اللجوء إلى تجاهل مطالبهم وبالمقابل انتشرت أبناء الإضراب خارجا حيث نظمت مسيرات تأييدا لهم وانتقل التذمر حتى داخل فرنسا نفسها التي قامت بنقل المضربين إلى المستشفيات.

 

بالإضافة إلى حياة الإضرابات التي كان يعيشها المعتقلون فقد تعرضوا في سجن لاسانتي  lasanté  إلى محاولات اغتيال وخاصة التي كانت من طرف الجنرال ماسو  قائد قوات المطلبين الفرنسية بالاتفاق مع جاك سوستيل الذي أمر جماعة من الجنود بالتنكر كحراس السجن.


ونقل زعماء الجزائر إلى خارجه بحجة أنهم مطلوبون للتحقيق لكن المؤامرة فشلت وكان الهدف من اغتيالهم هو فتح الطريق أمام العنصر الجزائرية غير المتطرفة للدخول في مفاوضات مع الفرنسيين باعتبار السجناء الخمسة عناصر وطنية وبفشل المؤامرة كان على الحكومة الفرنسية المحافظة على أرواح الزعماء الخمسة لذلك وضعت لمراقبتهم رجال المخابرات الفرنسية حيث أخذوا وظائف حراس السجن حتى يكونوا عيونا دائمة على الزعماء وقد أطلق عليهم السجناء اسم " زبانية لاسانتي" بسبب قسوتهم في تنفيذ التعليمات وتفننهم في التعذيب.


وإزاء حوادث الاغتيال التي تعرض لها السجناء وحياة القسوة أحيلوا إلى جزيرة إكس في عرض البحر ووضعوا تحت المراقبة الشديدة للمحافظة على أرواحهم من المؤامرات وقد كانت هذه الفترة التي قضوها في سجن لاسانتي هي الأقصى والأصعب حيث كانت الأيام تمضي عسيرة لا جديد فيها إلا الشعور بالقلق والترقب والانتظار فحياة السجن تلبد المشاعر وتجمد الأفكار وحتى في جزيرة إكس لم يسلموا من المعاملة السيئة عن الطعام التي مافتؤوا يتعرضون إليها، فعلى إثرها اعتزموا على إضراب عن الطعام في الأسبوع الأول من نوفمبر 1961م احتجاجا على سوء المعاملة الذي اعتبروه نوعا من الضغط ليتساهلوا في موقفهم من المفوضات ولوضع الحكومة المؤقتة الجزائرية في مأزق أمام الشعب الذي سيعتريه الشك في أي تصرف باعتبارهم لم يحصلوا على موافقة الخمس.


فقد كان دغول قد عرض على جبهة التحرير الدخول في مفاوضات سنة 1959م بعد أن بدأت فرنسا تشعر بأن القضية الجزائرية لت تحل باستعمال القوة وقد كلفت الزعماء الخمس بمهمة المفاوضات لكن دوغول رفض ذلك لأن كونهم هم المفاوضين سبب لهم المتاعب أكبر في التفاوض  ولا يستطيع بسهولة أن يحقق ما يريد لكن هؤلاء بالفعل قد دخلوا في مفاوضات مع فرنسا قبل عملية الاختطاف سنة 1956م لمدة ثمانية أشهر، ورغم رفض دوغول تنس الوزراء الخمسة في محادثاتها مع فرنسا وكانت دائمة الطلب على إطلاق سراحهم في كل مرحلة من مراحل المفاوضات من أجل الحصول على دعمهم فهي بحاجة إليه وبحاجة إلى نفوذهم الذي بقي سليما رغم سجنهم  وقد حدث أن تعثرت المفاوضات الجزائرية الفرنسية يعد محاولة هذه الأخيرة إشراك عناصر أخرى في المحادثات بالإضافة إلى الانتداب العسكري الذي حدث يوم 22 أفريل 1961م  حيث قاده كل من:

- الجنرال راؤول صالون:القائد الأعلى للقوات المسلحة سابقا في الجزائر.

- الجنرال أندري ماري زيلد: المفتش العام للقوات المسلحة البرية سابقا في الجزائر.

- الجنرال شال موريس: القائد الأعلى للقوات الجوية سابقا.

- الجنرال جوهو.

وذلك بتعاون مع بعض الضباط الفرنسيين من جهات مختلفة وهذا التمرد العسكري أدى إلى تدعيم حركة المنظمة العسكرية السرية التي وافقت على عملهم وسياستهم في أوساط الجيش الفرنسي لكن هذا الانقلاب انتهى بالفشل، ومن جراء الإضراب عن الطعام كان على الحكومة المؤقتة أن توقف المحادثات السرية حيث كانت في لقاء بال الثاني 9 نوفمبر 1961م فقد كان من غير اللائق بسبب الإضراب عن الطعام أن يتابعوا المحادثات بالنظر إلى الأخطار التي تواجد السجناء وكان جوابهم عن استئناف المحادثات يوم 15 نوفمبر 1961م" انتظروا إلى أن يتضح الوضع الناشئ عن الإضراب عن الطعام وبعد نهاية الإضراب استأنفت المفاوضات بتاريخ 09 ديسمبر 1961.


مهما يكن من ؟أمر فقد نقل الوزراء المسيحونين بفرنسا من مقر اعتقالهم ووضعوا تحت الإقامة الجبرية إلى قصر أولنوى وقد كان على الحكومة المؤقتة الجزائرية أن تكثف اتصالاتها معهم لكي يكونوا مطلعين بشكل عام على الموضوع الذي سيبحث ومن أجل هذه المهمة قامت بتكليف كل من كريم بلقاسم وبن طوبال للالتحاق بألنوى مكان تواجدهم حيث رافقهم محمد الصديق بن يحي الذي كان يعرف بدقة ملف المفاوضات الجزائرية الفرنسية حيث استطاع هذا الأخير أن يكسب احترام زملائه بحسه السليم وصدقه وهدوئه الرزين فقد استطاع أن يتكلم معا الخمسة بكل صراحة ويحصل على موافقتهم وقد كان موقف الخمسة ما يلي:

"أنتم الحكومة المؤقتة في الميدان نحن موافقون بشكل خاص على نقطتين وحدة الشعب ووحدة الأرض".


أما عن موقف حسين آيت أحمد من الاتفاقيات فقد قال بأنه سيوقعها بأصابعه العشرة لأنها تشكل تسويات وليس تواطؤات إلا أن هناك دينامية يجب المحافظة عليها عن طريق إعادة تكييف جبهة التحرير الوطني وقد رجع بن يحي يوم 04 فيفري 1962م لإطلاع الحكومة المؤقتة أن الوزراء الخمسة يصادقون على الاتفاقيات كل المصادقة وسيرسلون إلا رئيس الحكومة المؤقتة وكالة لكي يصوت بأسمائهم أثناء انعقاد اجتماع المجلس الوطني للثورة بالإضافة إلى أن الخمسة قد سجلوا ملاحظات عن مسألة اختصارات مدة المرحلة الانتقالية وتعديلات أخرى وفي الأخير إن المعتقلين الخمسة بألنوى يثقون كل الثقة في الحكومة لإمضاء هذه الاتفاقيات.


ما يمكن قوله هو أنه رغم حياة السجن والمعتقلات المختلفة التي قضاها حسين آيت أحمد ورفاقه، إلا أن صدى أرائه حول القضية الوطنية دائما ما يصل فكان دائما على متابعة لأحداث الثورة فسجنه لم يعد من نشاطاته فقد عين ضمن وزراء الحكومة المؤقتة وخلال مرحلة المفاوضات ظل يوصل صوته رغم رفض دوغول إشراكه هو ورفاقه في المفاوضات، حيث كان على حسين  ظن الحكومة واضعا ثقته الكاملة فيها ومصادقا كل المصداقية على ما تتخذه تجاه القضية الوطنية.


يمكنك تصفح مواضيع أخرى لها علاقة بالموضوع:


موقف حسين آيت أحمد من أزمة حركة الانتصار لحرياتالديمقراطية

نشاط حسين آيت أحمد في الحركة الوطنية لحزب الشعب الجزائر PPA

عملية اختطاف الزعماء الخمس

حسين آيت أحمد دوره ونشاطه في الثورة التحريرية

نبذة تاريخية عن حسين آيت أحمد

أزمة حركة الانتصار لحريات الديمقراطية وموقف حسين آيت أحمد منها


الاسمبريد إلكترونيرسالة