نشاط حسين آيت أحمد في الحركة
الوطنية لحزب الشعب الجزائر PPA:
خصصنا هذه المقالة لدراسة بداية مسيرة حسين آيت أحمد
النضالية في الحركة الوطنية، حزب الشعب الجزائري حركة انتصار الحريات الديمقراطية ( MTLD) ودورها فيها ، وإبراز مدى
مساهمته ونشاطاته داخل الحزب انطلاقا من تعريف بحزب الشعب الجزائري (PPA) ونشأته
مرورا بمرحلة السرية إلى غاية إعادة تشكيله تحت اسم م ح إ ح د كما أبرزنا الدور الفعال الذي لعبه أنت
أحمد في المنطقة الخاصة الشيء الذي ساهم
في بروزه وازدياد شهرته وسطوع نجمه ليصبح فيما بعد أحد المنادين إلى الكفاح المسلح
وأحد مفجري ثورة أول نوفمبر المجيدة .
بداية نشاطه ودوره في الحركة
الوطنية:
بعد أن يئس مصالي الحاج من استئناف
نشاطه في إطار حزب نجم شمال إفريقيا قرر إنشاء حزب وطني جزائري جديد يجسم نفس،
المبادئ التي قام عليها حزبه المنحل في 25 يناير ( جانفي )1937 م حيث أصدرت الجبهة
الشعبية الفرنسية قرار بحله إدا تهم معالي الحاج بالتخلي عن تضامنه وتعاونه معها
وعلى أنه وقع تحت تأثيرات خارجية
(إيطاليا، ألمانيا )، ولكن في 11 مارس عقد اجتماع لأحباب الأمة بنا ننير قربا
باريس وقد كان هذا الاجتماع تحت شعار لا اندماج لا انفصال ولكن دعوة إلى التحرر و
التطور أسس على ضوئه ح ش ح (PPA)
وما إن انتشر هذا الخبر السار في الأوساط الجزائرية حتى هم الشعب إلى الترحيب به
واحتضانه وخاصة فئة الشاب.
ويعود سبب هذه التسمية الإقليمية (
ح ش ح ) إلى كون المناضلين في مختلف أقطار العرب العربي قد أسسوا أحزاب خاصة
بأقاليمهم للدفاع عن قضاياهم الوطنية كحزب الاستقلال المغربي الذي أسسه علال
الفاسي والحزب الدستوري الجديد الذي أسسه
الحبيب بورقيبة.
لذلك فإن تأسس حزب وطني جزائري
أصبح ضروري ملحة وذلك لاختلاف طبيعة النضال بينهم.
في جوان 1937م عاد مصالي الحاج إلى
الجزائر ليبدأ حملة من النشاط تهدف إلى تقوية حزب الشعب الجزائري وقد التف حوله أناس بسطاء في مظهرهم أقوياء في
عزيمتهم نذكر منهم محمد أو عمارة وهو بائع حليب متجول أحمد مزغنة وعمار مسعودي وغيرهم، عقدوا عدة اجتماعات
سياسية تناول فيها الكلمة مصالي الحاج وحسين لحول حثوا من خلالها الشعب والمناضلين
علت تنظيم الصفوف والدعوة إلى الكفاح.
وعلى غرار هذا فقد كان ضرب الشعب
حزبا ديمقراطيا إلى تحرير الشعب الجزائري، حزب مفتوح لكل الفئات والشرائح التي
يكون منها المجتمع من صغار التجار، الصناع الفلاحين وأصحاب المهن الحرة.
هذا إضافة إلى أن الحزب اعتمد في
نشر أفكار على جريدة الأمة "على اختلافها ، لكن السلطان الاستعمارية قامت
بمنع هذه الصحفية من الصدور وبالمقابل قام الحزب بإصدار " جريدة "
البرلمان الجزائري "، ثم نشر
"جريدة العمل الجزائري " وانتقل مصالي الحاج إلى العاصمة لمضاعفة نشاطه
هناك، كما أن حزب الشعب الجزائري كان يركز أساسا على مجموعة من المبادئ الأساسية
التي تسير عمله، إذ نادى بالابتعاد عن العرقية والطبقية وأكد على أنه سيمد أياديه
بأخويه دون مراعاة العرق أو الدين بالمقابل يجب اتحاد عامة الناس ومشاركة الجميع
في القيادة ورغم هذا وككل مرة يتعرض هذا الحزب إلى القمع الاستعمارية الذي أصبح
أمر مألوف لأنه الحزب الوحيد الذي يرمي إلى استئصال جذور الاستعمار ففي عام 1939 نضمت مسيرات تدعي إلى حرية الجزائر
واستقلالها ونتيجة لظهور بوادر الحرب العالمية الثانية بدأت الحكومة الفرنسية
تتعين الفرصة للقضاء على نشاط الحزب فقد صدر قرار بحله في 26سبتمبر 1939م واعتقل
زعماؤه وبالرغم من هذا القمع الذي تعرض له مناضلوه الحزب إلا أنهم ضاعفوا
محاولاتهم في إعادة تشكيلة، فقد أشير إلى دعاية شخصية وكتابات حائطية وإعلانات
مكتوبة باليد، اعتبرت مبادرات من طرف المناضلين فقد كانت لهم عنه محولات التجمع في
نهاية 1940م في كل من الجزائر البليدة وقام بعض الشباب داخل الحزب بمبادرات لإحياء
خلايا الحزب كما في سطيف حيث نظم مجموعة من التلاميذ الشباب جمعية خيرية اسمها
" الخيرية " وتحت تأثير أحد أعضاء الحزب ويبقى محمود ( وهو مناضل في
الحزب انخرط سنة 1941في العمل السياسي السري انخرطوا في هذا الحزب.
في هذه الأثناء وفي الوقت الذي كان
الحزب ينشط فيس سرية تامة انخراط حسين آيت أحمد في صفوفه إذ هو الذي انتقل من
قرينه بمنطقة القبائل تيزي وزو إلى مدينة الجزائر ليجد نفسه مشدودا للاندماج
وبإرادة خالصة في عمل نضالي سري رغم أنه لا يزال طالبا في الثانوية.
وقد كان انخراطه في الحركة الوطنية
في حدود سنة 1943م وعمره لا يتجاوز 16 سنة، وكله جد وحزم وآمال، لا سيما أنه يمتاز
ببعض المؤهلات التي ترشحه للتأطير والتسيير مثل الفطانة والذكاء.
ومن العوامل التي جعلت حسين آيت
أحمد ينخرط في صفوف حزب الشعب هو الإحساس بالهوة والفرق الشديد بين جذوره الأولى وبين التي أصبح يعيش فيها لاسيما وأن
أبناء الأوروبيين ينعمون بالرفاهية والتعليم والعيش الرغيد حيث تعد هذه المسافة
بين الحالتين كبيرة جدا، الأمر الذي يجعل هذا الظلم والتمييز العنصري يسيطر على مشاعره سيطرة تامة.
على غزار الزوايا التعليمية والتي
كانت تسمى محليا " تيمعمرت: والتي يذكرها حسين آيت احمد في سياق علامة إنما
كانت على صلة بالحركة الوطنية لا سيما، أنه نشأ في ظل أحد هذه الزوايا وهي الزاوية
الرحمانية التي حاربت الاستعمار ونشرت الوعي الوطني في أوساط الجماهير، فقد أعتبر
آيت أحمد أن التربية الصوفية هي المدرسة الأولى التي اتخذ منها مناهج الحياة.
كان حسين آيت أحمد أحد الفاعلين
الرئيسين في رسم المسار الجديد للحركة
الوطنية فقد كان يتميز بالوعي السياسي، حيث يذكر في مذكراته أن حدث إنزال
قوات الحلفاء في الجزائر كان له رقع كبير في نفسه وفي الأوساط الجماهيرية
الجزائرية حيث ساهمت في نضج الوعي الوطني إلى حد أن الجزائريين لم يعبروا عن أي
اهتمام لمرسوم 7 مارس 1944 الذي يمنح
المسلمين أصحاب الدرجة الثانية تمثيلا في المجلس الوطني الفرنسي يساوي تمثيل
الدرجة الأولى يبين في ذلك الإصلاحيون والمدنيون.
وقد كشف عن ضعف القوة الاستعمارية
في نظر الشعوب المضطهدة وساهم في يقظتها وتمسكها بحقها ومصيرها فقد كانت فرصة
كبيرة أمام التيارات الوطنية الجزائرية إذ ناءت زعمائها لعقد اجتماع من أجل البحث
في أوضاع الجزائر.
وفي هذه الفترة ساهم حزب الشعب في
رفع المستوى السياسي عن طريق المناقشات والمحاضرات متجاوزا بذلك الرقابة
الاستعمارية المسلطة على الجرائد الوطنية كانت مهمة حسين آيت أحمد داخل الحزب
قراءة وشرح وتوزيع بيان حزب الشعب الجزائري في الأوساط الطلابية وهو ما كان يتم في سرية تامة لأن الحزب لا يزال
ممنوعا آنذاك.
رأى حسين آيت أحمد أن مطالب الحزب
تتجاوب ورغباته وطموحاته، م أنه وبسبب ما
أظهره في الميدان من جدية واردة وإخلاص وقدرته على التكيف مع الأوضاع وتأثيره على
شباب المنطقة نال ثقة قادته وهكذا استطاع أن يصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب.
ويشير آيت أحمد إلى نشاطه الثقافي حيث يقول
خلاله سنه 43/44 أتذكر نشاطنا الغزير في مليانة والأفكار الكثيرة التي كنا نداولها
داخل في الحزب أو خارجه مع طلبة الفلسفة من مدرسة تكوين الأساتذة: وهنا يعبر حسين
آيت أحمد عن مدى حبهم للثقافة والبحث عن جذورهم ويؤكد على أنهم كانوا قبل كل شيء
وطنيين جزائريين.
في أوت 1945 تمكن حسين آيت أحمد من
قيادة الحزب بالعاصمة وحيث كان ينشط في السر وقد تم تعيينه كرجل اتصال بينها وبين
مناضلي منطقة القبائل حيث أن حزب الشعب لم يكن بوسعه أن يقيم نشاطا عاما لكنه كان
مؤثرا في منطقة تيزي وزو التي كانت تشمل نائب عمالة بما يعادل دائرة اليوم.
فكانت المجازر 8 ماي 1945 وقع كبير
وخطير على تاريخ الحركة الوطنية عموما وحزب الشعب خصوصا بالنظر إلى ما يمثله داخل
الأوساط الجزائرية فكان لا بد أن تجد قيادته طريقة لمواصلة نشاطها ونضالها الوطني
بطريقة قانونية بعد إطلاق سراح مصالي الحاج في أكتوبر 1946فدعت إلى عقد اجتماع
بوزريعة ضم حوالي 50 عضو على رأسهم مصالي الحاج، وقد خرج الاجتماع بالاتفاق حول
وضع اسم جديد لحزب الشعب وهو حركة الانتصار للحريات الديمقراطية (MTID) وهي إستراتيجية جديدة على الساحة
السياسية لمواصلة المشوار النضالي الوطني بطريقة علنية وشرعية حيث تأكد للجميع
الحاضرين أن السياسة الوحيدة التي يمكن أن تنجح هي سياسة العنف الثوري رغم وجود
جناح صغير يميل إلى مواصلة النضال السياسي فقد كان المناضلون متحمسون للعمل الثوري
مما أوجد تذمرا واسعا في صفوف الحركة الشيء الذي عجلا بعقد مؤتمرا استثنائي للحزب
يوم 15 فيفري 1947م.
نشأة المنظمة الخاصة ودور حسين آيت
أحمد فيها:
كان تأسيس المنظمة العسكرية
السرية، حدث هاما في تحول الحركة الوطنية الجزائرية من نضال الكلمة إلى الكفاح
المسلح من الناحية النظرية والتطبيقية، وإذا كان التنظيم العسكري قد تجسد في هذه
المنظمة بصورة تطبيقية على أرض الواقع منذ سنة 1947 حتى 1950، باحتضان من التيار
السياسي الذي واصل نضاله من مطلع الربع الثاني من القرن العشرين،
حيث كانت أول دعوة صريحة ومباشرة
لإنشاء تنظيم عسكري كجناح للحركة أثناء ندوتها الوطنية الأولى في شهر ديسمبر 1946م
، حيث ألح بعض المناضلين وعلى رأسهم لمين دباعنين على ضرورة إنشاء تنظيم عسكري إلا
أن الفكرة لم تنفد آنذاك حيث آلت فيها إلى وقت لاحق بطلب من مصالي الحاج الذي كان
شغله الشاغل آنذاك هو الحصول على موافقة اللجنة المركزية على طلبه المتعلق بدخول
الانتخابات التي كانت المحور الإسلامي لأشغال تلك الندوة.
إلا أن الأمر فعل في المؤتمر الأول
للحركة، 15 فيفري 1947م، والذي حضره 60 مندوبا انعقدت جلساته ما بين بوزريعة وحي بلكور، ثم خلاله تعيين
أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المكتب السياسي الأثني عشر والذي كان حسين آيت أحمد
من بينهم حيث كلف بأمانة المال، ومن هذا المنطلق أعطيت الأولوية للعمل المسلح الذي
يعد السبيل الوحيد الذي لا يرقد والذي يؤدي إلى تحقيق الاستقلال الوطني للشعب
الجزائري.
وما يمكن قوله عن هذا المؤتمر أنه
كان مفعما بجو من الدبلوماسية إن صح التعبير، طغى عليه النقاش وتبادل الأراء خاصة
المتعلقة بالعشرية الأخيرة ولقد سيطر على جدول أعمال المؤتمر تقريران أساسين:
الأول كان لحسين لحول باسم القيادة
العامة للحزب الثاني من تقديم حسين آيت أحمد والذي لخصه في ثلاث نقاط مهمة:
- مواصلة حزب الشعب الجزائري العمل
رغم الحضر المفروض عليه، ورغم رفض الإدارة الفرنسية الترخيص له بذلك.
- تجسيد مبدأ الكفاح المسلح من
خلال تأسيس المنظمة الخاصة.
- الإبقاء على حركة الانتصار
الحريات الديمقراطية كواجهة لممارسة العمل السياسي في إطار الشريعة والقانون
الفرنسيين.
ليخرج المؤتمر في اليوم الثاني
بجملة من القرارات كان أبرزها الموافقة على إنشاء تنظيم عسكري سري تمثل في المنظمة الخاصة أو كما أطلقت عليها
السلطات الفرنسية تسمية " التنظيم الخاص" organisation spécial
os وفيما يخص هدف المنظمة يقول حسين آيت
أحمد" ....هذا العمل هدفه ترقية المستوى التقني والتكتيكي لهذا الكفاح.
ولقد تشكلت المنظمة الخاصة من
تنظيم هرمي أفقي تبلور على النحو الآتي:
أولا: قيادة الأركان وتكونت من
رئيس المنظمة محمد بلوزداد حيث كان رأيه " أن العمل السياسي لا يجدي نفعا ولا
بد من الإعداد للثورة لذلك ينبغي إعداد التنظيم الذي يتكفل بذلك.
- رئيس هيئة
الأركان:حسين آيت أحمد
- المدرب العسكري : عبد القادر
بلحاج الجيلالي
ثانيا:
قيادة المناطق: حيث تتكون قيادة المناطق م ن
- محمد بوضياف: مسؤول
منطقة قسنطينة
- جيلالي رقيمي: قطاع
الجزائر الأولى
- محمد ماروك: قطاع
الجزائر الثانية
- عمار حمودة: مسؤول
القبائل
- أحمد بن بلة: مسؤول
عمالة وهران
وكان الاتصال برئاسة الحزب يتم عن طريق رئيس
هيئة الأركان والذي كان بدوره على اتصال بعضو المكتب السياسي المعين لهذا المهمة
بالذات إذ وكلت هذه المهمة في البداية إلى أحمد مزغنة وخلفه حسين للحول ثم محمد
خيضر.
ونتجت للطبيعة الخصوصية للمنظمة
والتي تقوم على السرية فلقد روعي في تكوينها جملة من الشروط والمزايا التي يجب أن
تتوفر في العضو المجند منها: الاستقرار، الإقناع، الفطنة، الشجاعة والنشاط، القدرة
الجسمية بحيث أن سن المتطوع لا يتجاوز 30 سنة.
وفيما يخص التدريب العسكري فإن
المناضلين كانوا يتلقون دروسا نظرية وتطبيقية من قبل معلمين ومدرسين ومن ذلك مثلا
تنظيم هيئة الأركان لدورات تدريب، حيث يعتبر معظم من أشرق على عملية التدريب قد
عمل معظمهم بالجيش أو في حرب الفتنام، ومنه فإن الخبرة لم تكن تعوزهم بحكم
اكتسابهم لفنون الحرب وإنما كان ينقصهم الوسائل.
أما بالنسبة لعدد المنتسبين
للمنظمة، فهناك اختلاف في تقدير عددهم، فالبعض يقول أنه بلغ حوالي 1500 مجند
يعملون ضمن نظام محكم وفي سرية كاملة وتدريب مستمر، وهناك من يقول أن عددهم وصل
إلى 2000مناضل أو أكثر.
لكن مع نهاية 1947 طرأت عدة
تغييرات على مستوى المنظمة من القمة إلى مستوى الوحدات الإقليمية وحتى التنظيمية
والعسكرية، وفيما يخص المسؤول الأول للمنظمة مثلا.
فقد تولى حسين آيت أحمد منصب
الرئيس بعد تعرض محمد بلوزداد لمرض السل الذي أطرحه الفراش سنة 1947م بعد أن كان يشغل منصب النائب الأول للمنظمة
وأمين الخزينة في الحزب فوجد كمية من الأسلحة الفردية وعدد من الأفواج مؤلفة تقريبا
من أربعين عضو كانت تحت إشراف سابقة إلا أنه قام بتشكيل هيئة أركانه في 13 نوفمبر
1947 والتي كانت على النحو التالي:
- حسين آيت أحمد : رئيس المنظمة.
- الجيلالي بلحاج : مؤطر.
- محمد بوضياف وأحمد محساس: مقاطعة
قسنطينة.
- الجيلالي رقيمي ومحمد ماروك:
مسؤول الجزائر العاصمة.
- أحمد بن بلة: مقاطعة وهران.
- أعمر ولد حمودة: منطقة القبائل.
إلا أن عدة تغييرات طرأت على هذه
التشكيلة للمنظمة ربيع 1949م وبخصوص حسين
آيت أحمد فإنه في هذه المرحلة تعرف ولأول مرة على ماروك والجيلالي وهذا في الجلسة
الافتتاحية التيس جمعت آيت أحمد بهيئة الأركان الجديدة، أما بالنسبة للابن بلة
فإنه لم يحضر الجلسة وفضل أن يأتي في الجلسة الثانية لهيئة الأركان إلى غاية
1948م.
وبعد إرساء دعائم المنظمة الخاصة،
كان على قائدها تحقيق جملة من الأهداف لضمان استمراريتها، من خلال منح الأولوية
لتكوين الإطارات ذات الكفاءة لتكون في حالة تأهب واستعداد لكل طارئ وجديد ففي إطار
الإعداد للعمل المسلح قامت هيئة الأركان تحت قيادة آيت أحمد بتدريب المناضلين.
والجدير بالذكر أن هذه التدريبات
شملت تقديم دروس تربص تحت إشراف مسؤولي المقاطعات والدين بدورهم يخونونه إلى
المناضلين في المقاطعات الأخرى.
أما فيما يخص المجال السياسي فلقد
اتخذت المنظمة إجراءات عشية انتخابات المجلس الجزائري سنة 1948، حيث أمرت قيادة
الأركان أعضاءها بعدم المشاركة في الحملة الانتخابية، وعدم قبول أي مهمة لها صلة
بالانتخابات والتي حقق فيها حزب الشعب إخفاقا كبيرا جعلها تدعو لعقد اجتماع يجمعها
مع قيادة أركان المنظمة.
والتي اعتبرت بمثابة الفرصة
الذهبية لحسين آيت أحمد لعرض تقريرية المتضمن نظرته للعمل المسلح وأمور متعلقة
بالحزب وعن مكان الاجتماع أورد آيت أحمد"... بأنه مكان يتميز بعزلته....إلا
أنه يبعث النشاط..." ويقصد دوار زدين
بواد الشلف في منزل عبد القادر بلحاج في ديسمبر 1948، افتتح حسين لحول الاجتماع
بقراءته لتقرير اللجنة المركزية الذي أعطى فيه الأولوية للعمل الثوري، وأعطى
للمنظمة كل الصلاحيات على المستوى البشري والمادي وبعد ذلك أتى دور آيت أحمد
لاستعراض تقريره الذي اعتبر أهم وثائق الاجتماع.
والذي نشره محمد حربي ضمن " أرشيف الثورة
الجزائرية" وضح فيه بعض مما يتعلق بحركة التحرير الجزائرية والظروف التي
صاحبت تطورها من منطلق التجربة النضالية منذ دخول الفرنسيين الجزائر وبناءا على
هذه التجربة ضمن آيت أحمد تقريره بجملة تطلعات ومنظورات رأى فيها أن حركة التحرر
الجزائرية يجب أن تسير عليها لتحقيق أهدافها، ونظرا لأهمية التقرير نحاول إنجاز ما
جاء فيها حسب تقسيمه الأعلى.
شكل النضال من أجل التحرير: أهم ما
ورد في هذه النقطة هو التأكيد على فكرة الانتفاضة الشاملة دون تحضير ليس لها
فائدة، وهذا ما أثبتته التجربة عدة مرات.
فالمفروض في مثل هذه الحالة هو
توفر السلاح الحديث، وهو ما لا يوجد وعلى هذا الأساس رأى حسين آيت أحمد ضرورة
انتهاج أسلوب أخر أكثر نجاعة واستبعاد صفة الحرب الشعبية خاصة وأن، المناضلين
ليسوا في مواجهة آلة الحرب الفرنسية فقط، بل صف إليها مواجهة المستوطنين ولذلك
اقتضى الوضع أن تكون قيادة الحرب في أيدي الطلائع العسكرية المنظمة.
وضع الحزب:
أكد في هذه النقطة أن الحركة الإصلاحية التي تبنها فرحات عباس والشيخ
الإبراهيمي وكذا الحزب الشيوعي لم تعد تستطيع الوقوف أمام صيرورة التحرير الوطني،
خاصة بعد أتن اكتشف الشعب الجزائري الأسلوب المتدني للاستعمار بعد تزوير انتخابات
1948.
وبمقابل هذا طالب التقرير بضرورة أن يقضي الحزب على نقاط ضعفه المتمثلة في
عدم إنغراس مبادئه وأفكاره في الريف والنقص في الكوادر والتكوين الإيديولوجي، وكدا
الصعوبات الموضوعة أمام المنظمة الخاصة.
ومنه طالب آيت أحمد بضرورة إلغاء حزب الشعب خاصة وان الاستمرارية في
الثنائية (السرية- العلنية) ليس لها أي
مبرر ومنه وجب دعم المنظمة الخاصة بإطار مناسب للتكوين الثوري لأنها توفر ضباط
للثورة وكوادر عسكرية ووسط لخدمة الحزب والجماهير.
المنظورات:
كان لحسين آيت أحمد نظرة وهي القيام بمجموعة من الأشياء على مستوى الحزب
نذكر منها:
- توجيه الحزب إلى الناحية التي تبين للجماهير إخفاق فكرة الاصطلاحات وذلك
لإرساء دعائم وعي جماهيري يعضد الثورة ويؤهلها لتحقيق هدف الاستقلال.
- الوقوف أمام سيطرة الحزب الشيوعي والنقابات العمالية.
- تجديد كوادر الحزب وتعينهم في مناطقهم الإقليمية حتى تكون ثقة
متبادلة بين الجماهير والمناضلين.
إن امتداد الثورة إلى بلدان المغرب العربي الأخرى يتوجب الاتصال بحزبي
الدستور الجديد في تونس والاستقلال في المغرب ومحاولة الوصول إلى صبغة تشبه جهاز
المنظمة الخاصة، وهو ما يؤدي إلى تواحد الجهود ضد العدو المشترك.
- يجب التعجيل بالثورة المسلحة خاصة وأنه من الممكن أن ينكشف أمر المنظمة
الخاصة وهو ما يؤدي إلى ضياع الجهد الذي بدل في تكوينها.
ولقد تمت المصادقة على هذا التقرير بالإجماع باستثناء صوت الدكتور جمال
دردور ممثل مقاطعة قسنطينة والذي شرح سبب معارضته للتقرير وكدا معارضته لفكرة
العمل المسلح.
وبكل موضوعية نقول أن آيت أحمد استطاع من خلال هذا التقرير تقديم قراءة
شاملة وكاملة عن كلل علامات الاستفهام التي سيطرت على أعضاء المنظمة الخاصة وأعضاء
الحزب سوءا من حيث تحليله للأحداث أو من خلال تقديمه للول.
لكن رغم المحاولات المتكررة من طرف قادة المنظمة للحفاظ على استمراريتها من
كل المشاكل التي واجهتها، إلا أن أزمة مالية عصفت بها، وهددت وجودها وهو ما أكده
حسين آيت أحمد في تقريره هذا ومع العلم أن معظم المصادر المالية للمنظمة هي عبارة
عن هبات وتبرعات تقدم من طرف المناضلين، وهو ما يجعلها مصادر غير دائمة خاصة في ظل
الاحتياجات المضطردة من طرف فروعها.
وفي ظل هذه الأوضاع دعت المنظمة الخاصة لاعتماد على مبدأ التمويل الذاتي
أثناء مداولات هيئة الأركان والتي طرحت حل لا ثالث لهما: إما إصابة المنظمة بالشلل
بسبب نقص المال وإما المغامرة والقيام بعملية سطو فاستقر القرار عند الخيار الأخير
باعتباره أخف الضررين وذلك من خلال الهجوم على المؤسسات العامة للحصول على
الاعتمادات اللازمة من الأموال وقد وقع الاختيار على بريد وهران المركزي في 5-6 أفريل 1949م.
حيث قدم نميش جلول الموظف بالبريد جميع المعلومات المتعلقة بالبريد التي
تساعد على إتمام المهمة والذي طلب منه التزام مكتسب في البريد حتى لا يكون مثار
للشكوك، ولقد تولى مهمة القيام بهذه المهمة حسين آيت أحمد وأحمد بن بلة الذي عبر
عن الحجة الملحة للمال في قوله" إننا لا نعدم نقودا في الجزائر وإنما يجب أن
تأخذها حيثما توجد في البريد أو في البنوك لنكن منطقيين مع أنفسنا إذا كنا على
استعداد للتضحية بحياتنا في هجوم عنيف ضد المحتل فلا ينبغي أن يتعثر أمام خزائن
ماله".
ولقد قام حسين آيت أحمد بتشكيل
الفوج الذي سيقوم بالعملية حيث تضمنت:
أحمد بن بلة، بوشايب، سويداني بوجمعة، حماد عمار، لرغاوي رابح، إبن زرقة
خيضر أما حمو بوتليليس فلقد كلف بالمبيت وإيواء عناصر المنظمة وتوزيع الأسلحة
وتعبئتها كما أعطيت الأوامر للسائق خيضر بأن يكون متواجدا بالقرب من موظف الخزينة
مع الانتباه لموظف التلغراف الذي تقدم له برقية مكتوبة بالانجليزية من قبل آيت
أحمد.
وبعد الترتيبات المحكمة كادت العملية أن تفشل بسبب العطل المفاجئ في
السيارة التي خصص للقيام بالمهمة، ولكن تم تنفيذ العملية بعد استبدالها وكانت حصيلتها 3 ملايين و170 ألف فرنك قديم.
وجاء رد فعل السلطات الفرنسية عنيفا بإعلان حالة الطوارئ و القيام بعملية
محاصرة شاملة للمنطقة، وتم توقيف مجموعة من المناضلين من بينهم نور الدين اسطنبولي
الذي كان يشغل في البريد ورغم أن العملية لن تنجح بالصورة التي أرادها المناضلون
والتي استهدفت أكياس معبأة بحوالي 80 مليون من الفرنكات القديمة إلا أن ذلك أعطى
للمناضلين دفعة معنوية لمواصلة النضال.
ومما سبق ذكره يتبين بوضوح الدور الكبير الذي قامت به المنظمة الخاصة في
إرساء قاعدة ثورية صحيحة، كانت كفيلة بضمان العمل المسلح فيما بعد، وهذا بفضل
الأعمال التي أنجزتها من خلال قادتها الوطنيين أمثال حسين آيت أحمد الذي ساهم بقدر
كبير في التعريف بهذه المنظمة باعتباره ثاني مؤسسيها فلقد عرف نشاطه داخل
المنظمة رصيدا وطنيا لا يستهان به من
تعبئة جماهيرية وتنظيم محكم إلى المشاركة
بعمليات تضمن استمرار العمل المسلح أبرزها عملية بريد وهران التي لم يكن
فشلها بالغ الأهمية بقدر الأزمة التي تعرضت لها المنظمة والتي أدت إلى خسارة حسين آيت أحمد لمنصبه وتعيين بن بلة خلفا له في
إطار ما يعرف بالأزمة البربرية.
الأزمة البربرية:
بالإضافة إلى القمع المسلط على أعضاء حركة الانتصار الحريات الديمقراطية
وتزوير انتخابيات 1948م عانى أعضاء حزب
الشعب الجزائري و ح إ ح د من مشكل أخر لا يقل خطورة عن تزوير الانتخابات ويتمل في
مشكل الانقسام داخل الحزب ووجود عناصر يسارية من القبائل الكبرى متواجدة بكثرة في فرنسا مسيرات على خلايا الحزب
ولجنته المركزية كانت سبب ما يسمى بالأزمة البربرية.
يذكر محفوظ قداش أن هذه الأزمة وبوادرها ترجع إلى سنة 1945م حيث طالب واعلي بناي خلال عقد لجنة
تنظيم حزب الشعب الجزائري بتوحيد كل السكان المشكلين بالقبائلية والذين يتكلمون
اللغة البربرية في إقليم واحد ودعم اقتراحه بالإشارة إلى الروابط البشرية واللغوية
القائمة بين السكان من جانب بربره ولكن اللجنة المركزية للحزب رفضت ذلك وخلال
مؤتمر زدين نبه أحمد بودة إلى خطر الحركة البربرية وكان أول من أثار الانتباه
حولها حيث أنه واجه الرفض والمقاومة من بناي واعلي وحسين آيت أحمد وولده حمودة.
ويتحدث بن يوسف بن خدة عن هذه الأزمة
إذ يقول أنها ظاهرة اختلقها
الاستعمار من أجل تحقيق شعاره" فرق تسد" وهي دليل يثبت حرص المستعمر على
أشغال نيران التفرقة وتعميق التناحر بين المعتقل بين مجموعة من الجزائريين إحداهما
عربية والأخرى قبائلية ومفاد هذه الخطة الأطروحة
هو أن المجتمع ليس متجانس الأصل العرقي وانه خليط من البشر من بينهم عنصران
هما العنصر البربري والعنصر العربي.
ولطالما كانت تهدف هذه الخطة إلى تدمير الوحدة الوطنية للمجتمع الجزائري
واثبات التمايز العرقي والاختلاف بين أفراد المجتمع الواحد في الجزائر على غرار
تفريق المجتمع الفارسي بالقول أن بلاد إفريقيا بربرية الأصل والعرب فزاد كبقية
الذين دخلوا المنطقة.
والجدير بالذكر أن مصالي الحاج
اعترف قائلا: " وما زلت أؤمن بأن دعاة البربرية كانوا صنيعة الاستعمار لتحطيم
العربية الذي هو قوة المقاومة والحرب المستمرة وقد تساءل" كيف لهذه المحاولة
الأبدية للحركة الوطنية أن تحصل ويقوم بها رجال ينتمون إلى قيادتهم ويتمتعون بسمعة
عالية من طرف الشخصية المسندة لهم والدليل على ذلك أن بعض مناضلي حزب الشعب ذهبوا إلى الانتقاد العلني للحزب وتهجموا أساسا
على الاتجاه العربي الإسلامي حيث أن معظم المناضلين فيه قبائل وأثاروا مشكل الأصل
البربري للشعب الجزائري، وقد ذكر محفوظ قداش بأن هذا المشكل ذو بعد ثقافي إلى درجة
أن البربر يون سعوا إلى إنشاء حزب الشعب القبائل( (ppk بدليل تلك الرسالة التي وجدت
بحوزة السجين كان يتحدث فيها واعلي بناي عن ضرورة إنشاء حزب جديد وهو حزب الشعب
القبائلي وقد استخدمت هذه الرسالة في إقناع المناضلين داخل الحزب بالطابع التقسيمي
الذي يقوم به البربر يون ولكن بعض المتهمين وهو فرحات علي أكد بأن ح ش ق (ppk)المعارض لحزب الشعب الجزائري لم
يوجد ولن يوجد وأكد أنه لا يوجد سوى شعب جزائري ذو عناصر مختلفة ولكن جميعها تطمع
إلى الاستقلال.
كان حسين آيت أحمد من بين المتهمين بإثارة هذه النزعة من طرف المكتب
السياسي ولكنه فسر انفجار هذه الأمة بقوله أنها حدثت بسبب رفض قيادة الحزب فتح
نقاش موسع حول الهوية الجزائرية التي كانت مختزلة في البعد العربي الإسلامي فقط ثم
زاد الأمر تفاقما بسبب سوء تصرف المناضل رشيد على يحي بفدرالية فرنسا الذي نجح في
مؤتمر ح إ ح د وأصبح عضو اللجنة الفدرالية للحزب بفرنسا وذلك بدعم من واعلي بناي حيث
عارض عن فكرة جمع التبرعات لفلسطين بالرغم من قرارات الحزب بمساعدتهم وما لبثت
قيادة الحزب بفرنسا وعزلت رشيد علي أما عن الاتهام الموجه إلى حسين آيت أحمد كونه
قام بإثارة هذه النزعة فقد أنكر قائلا: " إني أتبرأ من هذه العناصر" أي
دعاة النزعة البربرية ولكن هذه التهمة طالت تحوم من طرف قيادة الحزب، وكان كريم
بلقاسم من الأوائل الذين تفطنوا لهذه المؤامرة الاستعمارية وتفطنوا لها وقد تصدى
لها بكل إمكانياته المادية.
والجدير بالذكر أن البربرية حوربت بشدة من طرف العناصر البربرية ذاتها
لعمران، كريم، حنفي السعيد أما الأمين دباغين وبودا فيذكر أنهما كانا ضمن
المعتقلين حيث تقرر تحطيمهما ليس لأنها بربريين وإنما كانا جزءا من المؤامرة، هذه
المؤامرة التي ساهمت بشكل كبير والى حد كبير في تفاقم أزمة الإدارة وأفشلت محاولة
تدارك الوضع من طرف اللجنة المركزية هذه المؤامرة التي كان موقف حسين آيت أحمد أحد
المهتمين بإثارتها يظهر من خلال تمسكه ودفاعه عن رأيه حول عدم وجود أي مؤامرة كما
أنه لم يتزعزع عن موقفه هذا دائم التأكيد على أنه لا يتوفر أي دليل ولو واحد على
وجودها وبالمقابل وجود استنتاجات تحاك على أفكار مفتعلة لكن الشكوك بقيت تحوم حوله
الأمر الذي جعل القيادة تستدعيه لمحاولة شرح هذه الظاهرة والمؤامرة وقد خرجت
بنتيجة وهي عزل آيت أحمد من الحزب حيث لم يعد يستدعى لاجتماعات المكتب السياسي
واللجنة المركزية ومعينة أن كان المنظمة الخاصة دون أي قرار عقابي.
وقد عين أحمد بن بلة خلفائه على رأس المنظمة الخاصة وأصبح رئيسا لها.
يمكن القول أن التهمة التي وجهت إلى حسين آيت أحمد هو أنه ابتعد بالمنظمة
الخاصة عن الخط الذي رسمه لها محمد بلوزداد ودعمها أيضا بعناصر بربرية لتشكيل
مجموعة طائفية يقودها ضد الحركة والوحدة الوطنية.
وتعبر هذه الأزمة التي عصفت بحزب الشعب قضية وطنية تتعلق بالثقافة
الأمازيغية طرحت بكيفية خاطئة على أساس والجهوية خاصة بفئة معينة من الشعب
الجزائري ما أدى إلى أزمة 1949م بالإضافة إلى رفض قيادة الحزب ومؤسساته فتح حوار
حول هذه القضية فقد كان من الممكن امتصاص الأزمة لصالح الحزب والوطن لكن القيادة
اختارت القمع كوسيلة لإنهائها وهكذا صار الجناح الثوري أو الأكثر ثورية في إدارة
الحزب ضعيف بحد أغادرته العناصر ذات المواقف الراديكالية في المقابل راحت العناصر
المعتدلة تدعم توجهها وتحكم قبضتها على الجهاز المركزي للحزب.
اكتشاف المنظمة الخاصة وحلها.
كانت المنطقة الخاصة كأي تنظيم سري عرضة لخطر الاكتشاف تزداد احتمالات
وقوعه مع مرور الوقت بكلل ما يتتبعه من القبض على المناضلين وتدمير التنظيم برمته،
وهذا ما أقلق المناضلين في صنوفها بالإضافة إلى تناقص مستوى التعبئة وأصبح صعبا
الحفاظ على الانضباط والسرية وأصبحت المنظمة الخاصة تقوم بمنع المناضلين داخلها من
الاستقالة حيث اعتمدت على عمليات تأديبية ضد كل من حاول الخروج عن نظامها وهذا ما
أدى إلى وقوعها في صعوبات إذ كان من
الممكن أن يحصل البوليس الفرنسي على معلومات هامة من هؤلاء الذين يتعرضون لمثل هذه
الإجراءات.
وما يؤكد هذه العملية التأديبية التي صلت أحداثها في مدينة تبسة حيث قام
أعضاء المنظمة باختطاف المناضل عبد القادر خياري وقد كلف العربي
بن مهيدي للقيام بالعملية حيث قام مع مجموعة من العناصر بالقبض عليه ولكن
استطاع هذا الأخير الإفلات منهم بعد الإصابة بجروح بالغة وقد قام بإبلاغ البوليس
يوم 18 مارس 1950م بأن اعتداء قد وقع عليه على مشارف المدينة بواسطة رجال مستعملين
في ذلك سيارة أدلى بأوصافها وتم التعرف عليها في مدينة واد الزناتي وهي ملك اثنين
من المواطنين.
زعيم محمد وهو مستشار بلدي لحركة الانتصار والثاني هو عجاسي إبراهيم وقد تم
القبض عليهما في عنابة واكتشفت الشرطة لديهما 3 بنادق و 100 طلقة ومدفع وبعض الأدوية.
بالموازاة مع اكتشاف المنظمة الخاصة في الشرق من خلال حادثة تبسة عرفت
منطقة الغرب أيضا نفس العملية من خلال وشاية تمت في فرع وهران وترتب عنها ذلك
اعتقال 20 عضو بتهمة التآمر على سلامة
وأمن الوطن الفرنسي. وقد أدت الاعترافات الأولية لبعض الأعضاء المنظمة إلى
مسارعة السلطات الفرنسية القيام بعمليات إرهابية شرسة تمت خلالها مطاردة مسؤولي
المنظمة وكل من له صلة بها وبهذا الشأن اعتقال العديد من قادتها وتم إلقاء القبض
على 400عضو.
لكن الموقف الفرنسي من وجود المنطقة الخاصة كان ظاهريا يتسم باللامبالاة من
هذه القضية حيث هدر في بلاغ أسس في 02
أفريل 1950 ورد فيه " قامت حركة الانتصار بتنظيم حديث لجماعات مسلحة لا يتجاوز عدد أفرادها المئات يملكون كمية من
الأسلحة الحربية ومهمتهم القيام بعمليات تخريبية وحوادث ضد الأفراد.
بالإضافة لأراء الفعل الثاني من طرف الحاكم العام أدمون نايجلان (Edmonde Naigelan) في 05/1950/ جاء فيه " لقد
وعنا يدنا على تنظيم سري ونتساءل إذا كنا
سنأخذ هذا بجدية أولا تعيره اهتمام كونه عملا صبيانيا.
رغم السخرية التي اتسم بها الموقف الفرنسي من اكتشاف وجود منظمة خاصة إلا أن ما قامت به السلطات الاستعمارية من
أعمال شنيعة لتدمير هذا التنظيم السري من جذوره يؤكد الهلع والخوف الذي أصابها حيث تعرض المعتقلون
إلى أبشع وسائل العنف حيث تنوعت ووصفت بوسائل جنونية من كهرباء ومغطس وقد كانت تصت
عمل بطريقة مكثفة طيلة شهرين من أجل جمع المعلومات واستغلالها في تحطيم المنظمة
الخاصة.
بالإضافة إلى أن التقنيات التي استخدمتها اقترنت بمظالم لا توصف كما استعمل
البوليس لاستنطاق المتهمين المقبوض عليهم وسائل تقشعر لها الأبدان وليس لها نظير
إلا في ديوان التفتيش الإنساني.
وهكذا نجحت فرنسا في تشتيت أعضاء المنظمة السرية حيث استطاعت أن تعتقل رئيس
المنظمة أحمد بن بلة ورفيقه أحمد محساس ووضعتهما في سجن البليدة أما حسين آيت أحمد
قد سافر إلى القاهرة ريا واستقر هناك أما خيضر فقد قرر الالتحاق بالقاهرة وخلق
التأييد السياسي والعسكري للثورة أما الناجون من هذه العملية المهلكة فحافظوا على
الحياة بها وعلى أسلحتها التي جمعتها في الفترة السابقة والتي كانت مخبأة في منطقة
الأوراس والقبائل والصحراء وبعض المناطق الأخرى.
هذا وقد كان الاعتقاد السائد لدى بعض المسئولين أن إدارة الحزب كانت
تسعى للتخلص نهائيا من الخط المضاد
للاتجاه السياسي المعتدل واشتد إحساس المناضلين بأن منظمة قد حكم عليها بالزوال
قبل 1950، ولقد تعمق هذا الإحساس عندما قررت الإدارة حل المنظمة بالرغم من أن جزء
كبير من هيكلتها وعناصرها لم تصل إليهم أيادي القمع (القبائل، الأوراس، الجزائر
الخ) وقد حلت المنظمة الخاصة وألحق أعضاءها بالمنظمة السياسية عام 1950م بالرغم من
أن مسئوليها كانوا يطالبون بإبقائها ولو بصورة رمزية ومنذ ذلك الحين إطاراتها
تختار المراقبة.
وما يمكن قوله أن تلك المطاردات والاعتقالات التي مست القيادة الثورية دفعت
بهم إلى مغادرة البلاد وقد عاد ذلك بالنفع على التيار الثوري إن جعله ينفتح على
الفضاء العربي الدولي ويكسب العديد من الحلفاء والأصدقاء وفي هذا السياق لعب
القادة الثلاث خيضر آيت أحمد، بن بلة، في
العاصمة المصرية بين جوان 1951 وأوت 1953، دورا مهما فقد شكلوا مكتب القاهرة خلف
للشاذلي المكي المغضوب عليه من قبل مصالي الحاج ووزعوا المهام بينهم كالتالي:
- محمد خيضر: المهام السياسية.
- حسين آيت أحمد: الشؤون الدبلوماسية.
- أحمد بن بلة: المالية والتسليح، وانتقلوا من مجر الدعوة إلى تضامن عربي
مع الجزائر.
وهكذا واصلت إدارة الحزب على مناهضة الجناح الثوري ولكنها حرصت في نفس
الوقت على جني النتائج السياسية للقضية وتأثيرها على الرأي العام الجزائري.
أما بالنسبة لإدارة الفرنسية فظنت أنها حلت المشكلة الجزائرية نهائيا بواسطة
الانتخابات المفبركة وبالقضاء على المنظمة الخاصة، فقد مكنتها هذه الوضعية من
مواصلة مناوراتها السياسية مع بقية الأحزاب.
وما يمكن قوله أن المنظمة الخاصة كانت قصيرة العمر فقد نشأت بعد المؤتمر
الأول للحركة 1948م وتم اكتشافها في شهر مارس 1950م بالرغم من طابع السرية الذي
كانت تتميز به هذا بالإضافة إلى القوانين التي كانت تسير عليها مثل عدم السماح
للمناضلين داخلها بالاستقالة.
يمكنك التعمق أكثر في هذا
الموضوع من خلال المصادر والمراجع الآتية:
عمار بوحوش التاريخ السياسي من البداية لغاية 1962م.
مصالي الحاج مذكرات مصالي الحاج 1898-1938.
سعيد بورنان: نشاط ج ع م في فرنسا 1936-1957م.
محمد قنانش، محفوظ قداش: حزب الشعب الجزائري (PPA) 1937-1939.
عمار قليل: ملحمة الجزائر الجديدة.
عبد الوهاب الكيالي: الموسوعة السياسية.
محمد قنانش: الحركة الاستقلالية في الجزائر بين الحربين 1919-1939.
أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية ج3، ط4.
بن يوسف بن خدة: جذور أول نوفمبر 1954.
يوسف مناصرية: الاتجاه الثوري في الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربين
العالميتين 1919/1939م.
حمد الخطيب: حزب الشعب الجزائري.
محفوظ قداش: تاريخ الحركة الوطنية، 1939-1951م.
لزهر بديدة: دراسات في تاريخ الثورة الجزائرية وأبعادها الإفريقية.
عبد الرحمان بن إبراهيم بن العقون: الكفاح القومي السياسي من خلال مذكرات
معاصر.
العربي الزبيري: تاريخ الجزائر المعاصر.
فؤاد زغلول: عشت مع ثوار الجزائر.
مصطفى طلاس: الثورة الجزائري.
محمد الشريف ولد الحسين من المقاومة إلى الحرب من اجل الاستقلال 1830-1962م.
العربي الزبيري: تاريخ الجزائر المعاصر.
وهيبة سعدي: الثورة الجزائرية ومشكلة السلاح 1954م-1962م.
عبد الكامل جويبة: الحركة الوطنية الجزائرية والجمهورية الفرنسية الرابعة
(1949-1954م).
الرائد ملاح: محطات حاسمة في ثورة أول نوفمبر 1954.
محمد عباس: ثوار عظماء.
محمد يوسفي: الجزائر في ظل
المسيرة النضالية.
مصطفى سعداوي: المنظمة الخاصة ودورها في الإعداد لثورة نوفمبر 1954م.
صالح بلحاج: تاريخ الثورة الجزائرية صانعوا أول نوفمبر 1954.
مصطفى هشماوي: جذور نوفمبر 1954 في الجزائر.
الجيلالي بلوفة: حركة انتصار الحريات الديمقراطية الخروج من النفق.
محفوظ قداش: جزائر
الجزائريون(1980-1954).
محمد حربي،
الجزائر(1954-1962) جبهة التحرير الوطني الأسطورة والواقع.
قريري سليمان: تطور الاتجاه الثوري والوحدوي في الحركة الوطنية الجزائرية
1940-1954.
محفوظ قداش: جزائر الجزائريين.
عقلية ضيف الله: التنظيم السياسي والإداري للثورة(1954-1962).
محمد تقية: الثورة التحريرية.
أحسن بومالي: أول نوفمبر1954.
قريري سليمان: تطور الاتجاه الثوري والوحدوي في الحركة
الوطنية الجزائرية(1940م-1954م).
عبد العزيز وعلي: الدا حسين أخر التاريخيين يرحل.
يحي بوعزيز: السياسة الاستعمارية1830-1954.
أحمد بن نعمان: فرنسا والأطروحة البربرية.
يحي بوعزيز: الاتهامات المتبادلة بين مصالي الحاج واللجنة المركزية وجبهة
التحرير الوطني 1946- 1962م.
محمد حربي: الثورة الجزائرية سنوات المخاض، ص 188.
أحمد توفيق المدني: هذه هي
الجزائر.
مشري عمر: ثورة التحرير كيف اندلعت مجلة 1 نوفمبر.